الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف

الحمد لله الذي تفرد قبل وجود اللغات بالاسماء الحسني وتوحد في محامد الصفات بالمجد الاسني الذي وله القاصدون اليه رغبة وطلبا ،وتوله بذكره الواجدون شوقا وطربا وتأله لجبروته العابدون عبودية ورقا ،وتفرد بأوصاف الالهية فهو المعبود حقا ، الأول الأزلي بلا بداية ، المتفضل أولا بالعناية والأخر الأبدي الباقي الدائم بلا نهاية ، المتفضل أخر بالغفران والأحسان والكفاية والرعاية والسلام على الذين امنوا وعملوا الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله و أصحابه مصابيح الهداية صلاة وسلاما دائمين متوالين ابدأ بلا نهاية .

تاريخيا عرف أهل السودان الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف منذ دخول الأسلام البقاع الطاهرة في ارض هذا الوطن وبالطبع فان ذلك راجع الي النفس الصوفي الذي حمل اليه بواكير الدعوة الاسلامية . اذ انه من الثابت تاريخيا انتشار الاسلام في السودان بعد ظهور التصوف المدرسي في القرن الخامس الهجري الثالث ونعني بمدرسة التصوف تلك التي أنشأها الشيخ محي الدين عبد القادر الجيلاني الذي عاش في الفترة من471 الي 561 هجرية وهي كانت بداية لتأسيس أول طريقة صوفية بشكل منظم اذ كان التصوف قبل ذلك بشكل فردي والمتتبع لظهور الطرق الاخري يرى انها ظهرت بعد الطريقة القادرية ومعظمها تتفرع منها .

ان الممارسة النظامية للاحتفاء بالمولد النبوي الشريف في ارض السودان لم تأخذ شكلها الجماعي الا بعد قيام السلطة السنارية في اعقاب سلوك عدد من الآمراء و الوزراء الطرق الصوفية مثل الشيخ عجيب المانجلك بن عبد الله جماع وكذلك سلوك عدد من المهتمين بالقران وعلومه امثال الشيخ محمد الهميم بن عبد الصادق
والشيخ عبد الله العركي والشيخ بان نقا الضرير وخلافهم للطريقة القادرية في ذلك العهد فأخذت الظاهرة في النمو رويدا رويدا حتى تأصلت في بقاع البلاد المختلفة ،لاسيما في مواطن تحفيظ القران في الخلاوي وحول مسايد شيوخ الصوفية وقد شهدت بدايات القرن التاسع عشر اكتمال نمو الظاهرة في ثوبها السوداني بعد ان نقلت لها تجارب من قاهرة المعز والاستانة الي الخرطوم هذا بالاضافة الى الرحلات الي الارض المقدسة .

ولعل اكثر المناسبات الاسلامية اتصالا بالمتصوفة هي احتفالات المولد النبوي الشريف لما فيه من رقائق ودقائق تجسم المتصوفة في الدعوة الي الله وتبين تذوقهم لنهجهم الدعوي المتميز ، روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولهم بالموعظة ويتخير الايام مخافة السامة .

لقد لعبت الطرق الصوفية في هذه الاثناء دورا بارزا في حماية المجتمع من خطر الذوبان الثقافي وفق التدابير العاقلة التي اتخذها في اطعام الطعام في التكايا والزوايا والاستفادة من كل سانحة لجمع المسلمين في ذكر جماعي يردد سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته ومجاهداته للكفار ، وقد هيأت المرونة التي اتمت بها الطرق السبيل لها للعب هذا الدور .

والناظر المقارن لمظاهر الاحتفاء بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم يجد ان مظاهر الاحتفاء بالمولد تتفاوت بين فئات المسلمين حسب البلد الذي يقيمون فيه فنجدها قوية وشاملة للدور الذي يمكن ان تلعبه مظاهر الاحتفاء في الدعوة الي الاسلام لاكتساب مسلمين جدد او تقوية وتأصيل المفاهيم والمبادئ الاسلامية في اوساط المسلمين القدامى

نورد بعض ادلة جواز بل ومشروعية تخليد ذكرى الانبياء والاولياء منها :
ان المولي عز وجل أمرنا أن نفرح بفضله ورحمته فقال (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا )
هذا وما دام ارسال الرسول الينا فضل منه تعالي ورحمة بنص قوله تعالي: (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين ) .

فان الاحتفال بذكراه والفرح بها امر مشروع ومطلوب بنص القران الكريم
ان دوام الذكر الحسن او لسان الصدق من الاخرين وعد به المولى كل من امن واحسن له العبادة سوداء أكان نبيا او رسولا او ولياو قال عن سيدنا نوح عليه السلام ( وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الاخرين سلام علي نوح في العالمين انا كذلك نجزي المحسنين انه من عبادنا المؤمنين )

وعن سيدنا ابراهيم عليه السلام (وتركنا عليه في الاخرين سلام علي موسى وهارون انا كذلك نجزي المحسنين انهما من عبادنا المؤمنين )
وعن سيدنا موسى وسيدنا هارون عليهما السلام قال (وتركنا عليهما في الاخرين سلام على موسى وهارون انا كذلك نجزي المحسنين انهما من عبادنا المؤمنين ) .

وعن سيدنا الياس عليه السلام قال (وتركنا عليه في الاخرين سلام على ال يسن انا كذلك نجزي المحسنين انه من عبادنا المؤمنين) .
و ما يتضمنه الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في اماكن الاحتفال نورد منها:-
* قراءة القران وهي مأمور بها شرعا في قوله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى )

*الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم وهي مأمور بها شرعا بنص الاية: ( يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما )

*جمع المسلمين في مكان واحد لاداء صلاة الجماعة وهي مأمور بها شرعا وكذلك جمع المسلمين في مكان واحد للفرحة وادخال السرور عليهم وهي مقرة شرعا من النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم ينكر على من قابلوه بالطبل والشعر والانعام وقت وصوله الي المدينة المنورة مهاجرا اليها من مكة .
*الاحتفال في الضياء بنور الشمس ومساء بالكهرباء حيث لم يرد شرعا دليلا يمنع من ذلك او يأمر الناس بألاحتفال في الظلام بل ورد ما يشجع على العبادة في الاماكن المضاءة بدليل ان تميم الداري حمل معه من الشام الي المدينة المنورة قناديل وزيت فنور مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله الي المسجد فاذا هو يزهو فقال: من فعل هذا قالوا تميم يا رسول الله قال: (نورت الاسلام نور الله عليك في الدنيا وفي الاخرة )

*الذكر وهي عبادة مأمور بها شرعا بدليل قوله تعالي: (يا أيها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا )
*الاطعام وهو مأمور به شرعا بدليل قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبة مسكينا ويتيما واسيرا انما نطعمهم لوجه الله لانريد منكم جزاء ولاشكورا )

*حمل الرايات اوغرسها وهو امر وارد شرعا فقد دعا رسولالله صلى الله عليه وسلم عليا وهو ارمد فتفل في عينيه وقال (هذه الراية امضي بها حتي يفتح الله على يديك )
و ورد في السيرة انه عليه السلام كان يحمل الراية او العلم في غزواته

*قراءة قصة المولد او سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه مطلوبة شرعا لاننا امرنا بالتاسي به ولن يتأسي فرد منا باخر الا اذا عرف سيرته وانغرس مفهومها في عقلة وذكر بها على الدوام علميا بأن السادة الصوفية يكررون قراءة قصة المولدمرتين اسبوعيا.

ويتبع ذلك مدح الصالحين وهو امر جائز شرعا بل ومطلوب شرعا ان الفرد اذما تليت عليه سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ربما يقول هذا معصوم من الخطأ وانا رجل عادي ومن ثم فان الاشارة بصالح ما من غير الانبياء قد تدفع العاصي الي التأسي بمن مدح امامه علما بان الرسول صلى الله عليه وسلم حث امته على تذكر الصالحين .

*المواكب او الزفة فهي جائزة شرعا و واقعة فعلا بدليل ان المسلمين حين اذن الله لهم باعلان دينهم خرجوا في صفين على رأس احدهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحمزة بن عبد المطلب على رأس الاخر واخترقوا بموكبهم المذكور شعاب مكة ثم جاءت مواكب المجموعات من المدينة المنورة تعلن التكبير ليالي الاعياد والجماعات التي تعلن التلبية في الحج ثم جاءت السرايا والبعوث تأخذ وجهتها في الدعوة الي الله وكانوا كلما علوا شرفا او هبطوا سهلا هللوا وكبروا .

*تحديد يوم معين للاحتفال الجماعي الكبير وهو جائز شرعا تاسيا باحتفال المسلمين الاسبوعي في الجمعة واحتفالهم السنوي في العيدين والحج وكذلك الاحتفال سنويا بذكرى حوادث وموافق تتصل بالانبياء السابقين واسرهم علما بان ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وماراه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح . وقد راى عامة المسلمين تكريم ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم احتراما واجلالا واكبارا واعزازا له من ناحية وتعرضا للنفحات الالهية التي تحدث في هذا اليوم من ناحية اخري اذ يقول عليه الصلاة والسلام: (ان لله في ايام دهركم نفحات فتعرضوا لها )

وترتيبا على ذلك فان الاحتفاء بمولده صلى الله عليه وسلم احتفاء برائد المدرسة الربانية التي خرجت ولاتزال تخرج الافذاذ ، والاحتفاء بمولده صلى الله عليه وسلم احتفاء باستدارة الزمان وشم المسلمين لعبير عبق النبوة والمعاني السامية التي ترتبط بها والاحتفاء بمولده تكريس لرسالته بتعميق اهدافها في فجاج الارض واعماق المجتمعات والافراد .

وختاما ندعو الله ونقول
سيدي يا رسول الله اننا في ايام مولدك فنتوسل بك الي ربنا فأنت الوسيلة التي لا ترد متجمعين اليه ان يأخذ بأيدينا الي ما فيه خير الدين والدنيا وان يعيد علينا هذه الذكرى العطرة والامة الاسلامية متمسكة بكتابه وسنة نبيه صاحب هذه الذكرى متجهين سالكين طريقه في ود واخا ومحبة و وفاء وبلدنا يعمه الامن والسلام والاستقرار والرخاء فأنك ياالله اعظم مئول واكرم مامول
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحمد لله وليّ النعمة ، دافع النقمة ، ما غرّد طائر بنغمة ، وهبّ صبح بنسمة، وتلألأت على ثغرٍ بسمة ، والصلاة والسلام على من زيّن ببيانه الكلام ، وأذهل بفصاحته الأنام، وطرق بوعظه الأيام ، سلالة النجب ، وصفوة العرب، أجلّ من خطب ، صاحب الحسب والنسب ، محطم الأصنام والنصب ، وعلى آله والأصحاب ، ما لمع سراب ، وهمع سحاب ، وقرئ كتاب ، وبعد :

يسعدني كثيرا ان اجد مقالك الرائعة بروعتك اخي الباقر الشريف

نتمنى لك دوام التقدم والازدهار

تقبل مروري

دمت بود
admin

» أقوال أئمة السنة في الاحتفال بالمولد النبوي
» المولد العثماني
» في ذكرى المولد
» الإجماع على جواز الإحتفال بالمولد النبوي الشريف
» خطبة الجمعة من المسجد النبوي الشريف بتاريخ 24-07-1430هـ