الحمد لله الذى زحزح هم الأولياء عن السكون إلى العاجلة ، وشرح صدور السعداء لإيثار الآجلة ، المنفرد بالكمال والكبرياء والجلال والبقاء والعز الذى لا نفاد له ، أحمده على ما أسبغ علينا نعمه الكاملة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ضمن الربح الجميل عن عامله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه صلاة دائمة متواصلة
تسبيح الله تنزيه عن كل نقص ،ومباعدته عن كل عيب ، فلا يستشعر الانسان مع ذات الله الا كل جلال وجمال . والمؤمن هو الذي يحسن ذلك و يألفه .
التسبيح العملي للناس يقوم ربط الافعال بما ينبقي لله من كمال وجمهرة العصاة المفطرين تقع بين نسيان لله وريبة في وعده ، ولو صدقت معرفتهم ، وطلع على نفوسهم شعاع من اسمائه الحسنى لتهذب سلوكهم وصلح عملهم .
و مما يتصل بهذا المعنى - اى تحول التسبيح من قول باللسان الى شعور في القلب الي رفعه وسلوك - ان يضبط المسلم مشاعره في السراء والضراء ، ويربطها بمشيئة الله فأن اصابه شر لم يسخط على الزمان ويسب الايام !! فما الزمان ؟ انه ظرف- وحسب - للاحداث التي يسوقها القدر الاعلى . والمؤمن يستكين لله اذا وقع به ما يكره ويقول : (انا لله وانا اليه راجعون ) . اما التبرم باليالي السوء فهو من سوء الاداب مع الله ، ومن اتهامه – سبحانه- لا يسوغ .
معني الحديث ( لا تسبوا الدهر ، فأني انا الدهر بيدي الامر اقلب الليل والنهار) رواه الشيحان . والحديث بين في ان الله يكره من عباده هذا التهجم لقضائه والتمرد . ان كل افعاله بالحكمة وتدبيره للامور يستحيل ان ينقصه السداد او يعوذه الرشاد او ان يثور عليه العباد . وفي الحديث تسبيح لله عن هذا و ذاك .
يقول الحق سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: [ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح واطراف النهار لعلك ترضى ] طه .
وآناء : جمع إنى ، وهو الجزء من الزمن ، وهذا الجزء يترقى حسب تبتهل لتسبيح ، فمعنى التسبيح آناء الليل أى أجزاء كله ، فهل يعنى هذا أن يظل الانسان لا عمل له الا التسبيح؟ فيمكن أن تجزئ الليل إلى ساعات ، فتسبيح كل ساعة ، أو تترقى فتسبح كل دقيقة أو تترقى فتسبح كل ثانية ، وهكذا حسب مقامات المسبح الحامد وأحواله .
ثم يقول سبحانه : [ واطراف النهار .... ] ليستوعب الزمن كله ليله ونهاره ، والمقامات والأحوال كلها ، لذلك يقول بعض العارفين فى نصائحه التى تتضمن سلامة حركة الحياة . [ اجعل مراقبتك لمن لا تخلو عن نظره إليك ] فهذا الذى يستحق المراقبة ، وعلى المرء أن ينتبه لهذه المسألة ، فلا تكن مراقبته لمن يغفل عنه ، أو ينصرف ، أو ينام عنه . [ واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمـه عنك ] فإذا شربت كوب ماء فقل : الحمد لله أن أرواك ، فساعة تشعر بنشاطها فى نسفك قل : الحمد لله ، وساعة ان تخرجها عرقاً أو بولاً قل : الحمد لله ، وهكذا تكون موالاة حمد الله ، والمداومة على شكره . [ وأجعل طاعتك لمن لاتستغنى عنه ] فطالما أنك لاتستغنى عنه ، فهو الأولى بطاعتك . [ وأجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه ] وإلا ، فاين يمكنك ان تذهب ؟ .
لكن لماذا أطلق زمن التسبيح بالليل ، فقال [ آناء الليل ... ] وحدده فى النهار فقال : [ وأطراف النهار ... ] قالوا لأن النهار عادة يكون محللاً للعمل والسعى ، فربما شغلك التسبيح عن عملك ، وربنا يأمرنا أن نضرب فى الأرض ونسهم فى حركة الحياة ، والعمل على التسبيح ، ويعين على الطاعة ، ويعينك أن تلبى نداء : الله أكبر .
ألا تقرأ قول الله عز وجل فى سورة الجمعة : [ يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فأسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وأبتغوا من فضل الله وأذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ] الجمعة .
ذلك لأن حركة الحياة هى التى تعينك على اداء فرض ربك عليك ، فأنت مثلاً تحتاج فى الصلاة إلى ستر العورة فانظر إلى هذا الثوب الذى تستر به عورتك ، كم يد ساهمت فيه ؟ وكم حركة من حركات الحياة تضافرت فى إخراجه على هذه الصورة؟ .
ويلفتنا قوله تعالى : [ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار ... ] فأى طلوع ؟ وأى غروب ؟ وأى ليل ؟ وأى نهار ؟ أهى لمصر أم السودان ، أم للهند ، أم اليابان ؟ إنها ظواهر متعددة وممتدة بإمتداد الزمان والمكان لا تنتهى ، فالشمس فى كل أوقاتها طالعة غاربة ، ففى هذا إشارة إلى ذكر الله وتسبيح الله دائم لا ينقطع .
ولذلك يقول المسلمين كافة : (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والارض وعيشيا وحين تظهرون )_الروم 17_18_ .
هكذا في الصباح والاصيل ، وفي الضحى والغسق ، وفي كل ان تكدح الامة لنفسها ولربها وتعمل لديناها واخرتها ، وتمزج بين بناء الروح و الجسد وترسخ قدمها في الارض وترنو بقلبها الي السماء .
ومن العبث تصور التسبيح والتحميد حركة شفتين واضطراب لسان انه تفتح قلب ، واتقاح غاية ، وسفر نفس الي بارئها ، فالليل و النهار خطوات سير ومراحل طريق .
اللهم لك الحمد انت قيم السموات والارض ومن فيهن ، ولك الحمد ،انت ملك السموات والارض ومن فيهن ، ولك الحمد انت نور السموات والارض ومن فيهن ولك الحمد انت الحق، و وعدك حق، ولقائك حق، وقولك حق ، والجنة حق ، والنار حق، والنبيون حق ، ومحمد حق ، والساعة حق .
اللهم لك اسلمت ،وبك امنت ، وعليك توكلت ، واليك انبت ، وبك خاصمت ، واليك حاكمت ، فأغفر لي ما قدمت وما اخرت ، وما اسررت انت المقدم وانت المؤخر ، لا اله الا انت .
اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه