يعرفها العلماء بأنها إسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنه والظاهرة . إن أول ما ينتبه العبد للعبادة ويتجرد لسلوك طريقها بخطرة سماوية من الله وتوفيق خاص إلهى وهو المعنى بقوله سبحانه وتعالى : [ أمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربه ] الزمر (22) ، وأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : [ إن النور إذا دخل القلب إنفتح وأنشرح ] فقيل : يا رسول الله هل لذلك علامة يعرف بها فقال : [ التجافى عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والإستعداد للموت قبل نزول الموت ] . فإذا خطر بقلب العبد أول كل شئ أنه يجد نفسه منعماً عليه بضروب من النعم كالحياة والقدرة والعقل والنطق وسائر المعانى الشريفة واللذات ، مع ينصرف من ضروب المضار والآفات ، وأن لهذه النعم منعماً يطالبه بشكره وخدمته ، فإن غفل عن ذلك فيزيل عنه نعمته و يذيقه بأسه ونقمته ، وقد بعث إليه رسولاً أيده بالمعجزات الخارقة للعادات الخارجة عن مقدور البشر وأخبره بأن له رباً جلّ ذكره قادراً عليماً حياً مريداً متكلماً يأمر وينهى قادراً على أن يعاقب إن عصيته وقد وعد فأوعد وأمر بإلتزام قوانين الشرع.
ولما كان المقصود من العبادة هو قبولها من قبل المعبود – سبحانه وتعالى– ومن ثم يجد العابد جزاءه وثوابه عليها . كان لا بد من توفر شرطين رئيسين فى كل عمل يتقرب به العبد إلى الله – عزّ وجلّ – حتى يكون هذا العمل مقبولاً عنده سبحانه وتعالى . وهما الإخلاص لله تعالى والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهما معنى كلمة التوحيد [ لا إله إلا الله محمد رسول الله ] فالأولى تعنى تجريد الإخلاص فى العبادة لله وحده والثانية تعنى تجريد المتابعة للرسول r وحده .
وقد قررّ الشيخ عبد القادر الجيلانى – قدس الله سره – ضرورة توفير هذين الشرطين فى العبادة وبيّن أن مجرد النطق بالشهادتين وأداء الأعمال التى تقتضيها لا يكفى إلا بعد الإخلاص والمتابعة حيث يقول فى كتابه [ الفتح الربانى ] : إذا عملت هذه الأعمال – يعنى الإتيان بالأوامر وترك النواهى – لا تقبل منك إلا بالإخلاص فلا يقبل قول بلا عمل ، ولا عمل بلا إخلاص وإصابة السنة .
ثم إستشهد الشيخ عبد القادر الجيلانى على وجوب الإخلاص بقوله تعالى : [ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ] – البينة (5) . وقوله سبحانه وتعالى : [ ألا لله الدين الخالص ] – الزمر (3) . ثم ساق بعض أقوال أهل العلم فى تعريف الإخلاص فنقل عن سعيد بن جبير قوله : [ الإخلاص أن يخلص العبد دينه لله وعمله لله تعالى ولا يشرك به فى دينه ولا يرائى بعمله أحد ] ، كما نقل عن الفضيل بن عياض قوله : [ ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص هو الخوف من أن يعاقبك الله عليهما ] ..
يقول الفضيل بن عياض فى قوله تعالى : [ ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ] – الملك (2) ، قال أخلصه وأصوبه ، فإنه إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً ، والخالص إذا كان لله والصواب إذا كان على السنة .
يا ضيعة العمر إن نجا السامع وهلك المسموع : يا خيبة المسعى إن وصل التابع وإنقطع المتبوع .
وغير تقىِّ يأمر الناس بالتقى * طبيب يداوى الناس وهو سقيم
يا أيها الرجل المقوم غيـره * هلا لنفسك كان ذا التقويـــم
أبدأ بنفسك فأنهها عن غيها * فإن إنتهــت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما تقول وبقتدى * بالقول منــك وينفع التعليـم
لا تنه عن خلقٍ وتأتى مثله * عارٌ عليك إذا فعلت عظيـــم
وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه