فتأثير هذا العلم معتمد على قبوله أو رفضه لا على مجرد اكتسابه:
وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا؟ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرض فزادته رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون. [التوبة:125]
وما تغني الآيات والنذر عن قوم لايؤمنون.[ ]
فإذا ما عرف الإنسان ربه وآمن به تفجرت ينابيع الخير في قلبه ثم فاضت على جوارحه بمقدار علمه وقوة إيمانه. لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى كما جعل الروح جوهر الإنسان، فقد جعل الإيمان به منبع كل خير فيه. ولذلك كانت الدعوة إليه والتذكير به مفتاح كل دعوة إلى فكر قويم وسلوك مستقيم، وكانت الدواء الذي لا غناء عنه لكل أنواع الانحرافات السلوكية. ولذلك كانت البداية به في جهود الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لإصلاح المجتمعات التي بعثوا إليها. يدعو أحدهم قومه إلى إفراد الله تعالى بالعبودية ثم يدعوهم بعد ذلك إلى تفاصيل الشريعة وإلي ترك ماهم عليه من أنواع الانحرافات السلوكية، خلقية كانت أم اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية.
فالإيمان هو الذي يهيئ النفوس لعبادة الله وينشط الجوارح لها
وإذا حلت الهداية قلبا نشطت للعبادة الأعضاء
وهو الذي يهيئها لقبول تفاصيل الشريعة. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها:
لقد نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام. ولو نزل تشربوا الخمر، لقالوا لا ندع الخمر أبدا. ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا. لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم، وإني لجارية ألعب: (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده. [البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن]
وهو السبب الأساس لحل المشكلات الاقتصادية والسياسية والخلقية. أقول إنه الأساس ولا أقول إنه يغني عن التفاصيل التشريعية المبنية عليه، ولا عن الأسباب الطبيعية والاجتماعية التي جعلها الله أسبابا مؤثرة. وهو السبب الأساس لبقاء النعم المادية وزيادتها. والكفر والإخلال به هو السبب الأساس لنقصانها وزوالها.
إ
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين. أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم.
ثم:
فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل أنهار.
وإلى عاد أخاهم هودا قال يقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون.
ثم:
وياقوم استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا، ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين.
وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره، هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب.
وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره.[ ]
ثم:
ولا تنقصوا المكيال والميزان. إني أراكم بخير. وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط. وياقوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين. بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ.
كذبت قوم لوط المرسلين. إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون. إني لكم رسول مبين. فاتقوا الله وأطيعون. وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين.
أتأتون الذكران من العالمين. وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزوجكم بل أنتم قوم عادون.
ثم دمرنا الآخرين. وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين. وإن ربك لهو العزيز الرحيم.
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون. ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم. منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون.
وأهم من هذا كله أن عقيدة التوحيد هي سبب السعادة النفسية
(ألا بذكر الله تطمئن القلوب) بل هو سبب السعادة الأبدية لأنها هي السبب الأساس لدخول الجنة وللنجاة من النار:
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.[النساء:48]
يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.[الشعراء:88-89]
تأثير الإعلام على العقيدة
وسائل الإعلام ليست قاصرة ـ كما هو معروف ـ على الصحف والمجلات والراديو والتلفاز، بل تشمل الكتب العامة والسينما وربما المسرح وتشمل الآن الشبكة العالمية (الانترنت). لكنني أريد أن أضيف في هذا المقال إليها حتى الكتب المدرسية لعظم تأثيرها على الآلاف المؤلفة من أبناء المسلمين.
إذا استثنينا الإعلام الكنسي بكل وسائله ـ وهو إعلام لا يكاد يتعرض له المسلم ـ فربما استطعنا أن نقول إن الإعلام الغربي نادرا ما يتعرض للمسائل الدينية بطريقة مباشرة. فكيف يكون له إذن تأثير إيجابي أو سلبي على الدين؟ نعم إن له لتأثيرا أيما تأثير لأنه ليس من شرط التأثير أن يكون مباشرا، بل إن التأثير غير المباشر قد يكون أعظم من التأثير المباشر كما سنرى، وهو في غالبه تأثير سيء ، وإن كان لايخلو من بعض التأثيرات الحسنة. ونعني بالتأثير غير المباشر هنا تلك المعتقدات العلمانية الإلحادية المادية الشائعة في الغرب والتي تفترض صحتها والتي تكمن لذلك وراء تفسيراتهم للحوادث الطبيعية والاجتماعية والنفسية، وإن كان لا يصرح بها إلا نادرا.
تــــــــابـــع