كيف أسلم باذان
بقلم منير عرفه
قال تعـالى:-
{ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ... } سورة الأنعام آية 125
( 1 )
جهَّز عبد الله بن حذافة راحلته، وودَّع صاحبته وولده، ومضى إلى غايته ترفعه النجاد، وتحطه الوهاد، وحيداً، فريداً، ليس معه إلا الله.
حتى بلغ ديار فارس، فاستأذن بالدخول على ملكها، وأخطرَ الحاشية بالرسالة التي يحملها له، عند ذلك أمر كسرى بإيوانه فزُيِّن، ودعَا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا، ثم أذِنَ لعبد الله ابن حذافة بالدخول عليه.
دخل عبد الله بن حذافة على سيد فارس، مشتملاً شملته الرقيقة، مرتدياً عباءته الصفيقة، عليه بساطة الأعراب، لكنه كان عاليَ الهمَّة، مشدود القامة، تتأجج بين جوانحه عزَّةُ الإسلام، وتتوقَّد في فؤاده كبرياءُ الإيمان.
المؤمن له هيبة، ومَن هاب اللهَ هابه كلُّ شيء.
فما إن رآه كسرى مقبلاً، حتى أومأ إلى أحدِ رجاله أن يأخذ الكتاب من يده، فقال عبد الله بن حذافة:
لا، إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدفعه إليك يداً بيد، وأنا لا أخالف أمر رسول الله.
فقال كسرى لرجاله: اتركوه يدنو مني، فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده، ثم دعا كسرى كاتبًا عربيًا مِن أهل الحيرة، وأمَرَه أن يفضَّ الكتاب بين يديه، وأن يقرأه عليه، فإذا فيه:
" بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام الله على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك."
فما إن سمع كسرى هذه الرسالة، حتى اشتعلت نار الغضب في صدره، فاحمر وجهه، وانتفخت أوداجه، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام، بدأ بنفسه، وبدأه بقوله: من محمدٍ رسول الله إلى كسرى، فكان تفكير كسرى تفكيرًا شكليًّا، ولم يفهم المضمون، ولم يهتمَّ له، فغضِبَ للشكل.
غضب هذا الرجل المغرور المتكبر رغم أن النبى صلى الله عليه وسلم خاطبه بالعظمة فقال ( إلى عظيم الفرس)، وكان النبى صلى الله عليه وسلم دقيقًا فى ألفاظه فلم يقل (سلام عليك) بل قال (سلامٌ على من اتّبع الهدى)، أي إن اتبعتَ الهدى فسلامٌ عليك، وإن لم تتبع الهدى، فالسلام ليس عليك، على من اتبع الهدى... وهكذا ..
ولكن أنَّى يأتى الخير من رجل امتلأت نفسه كبرًا وتيها فظن أنه الوحيد وما عداه صفرًا.
وكيف يؤمل الإنسان خيرا... وما ينفك مُتبعًا هواه
يظن بنفسه قدرًا وشرفًا ... كأن الله لم يخلق سواه
ولعل كسرى انفعل هذا الانفعال الشديد بسبب هزيمته الأخيرة التى نالها على أيدى الروم، فظن أن الأعراب والتابعين بدأوا يتجرأون عليه بسبب هزيمته.
لقد فقد كسرى توازنه تمامًا إذ إنه جلب الرسالة من يد كاتبه، وجعل يمزِّقها دون أن أى شر يجره على نفسه، مزقها وهو يصيح: أيكتبُ لي بهذا، وهو عبدي؟.
لأنه من أتباعه، ولأن باذان عامله على اليمن، تابع لكسرى، والمناذرة وعاصمتهم الحيرة يتبعون كسرى، فهذا الذي قال له:
من محمد رسول الله هو من عبيده، هكذا يفهم كِسرى، قال: أيكتب لي بهذا وهو عبدي ؟!!!
ثم أمر بعبد الله بن حذافة، أن يُخًرَج من مجلسه، فأُخرج.
فلما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذلك الخبرُ قال: " اللهم مزِّق ملكه "
تــــــابـــــــــــع