لســــان العصــــر
{وَمَن أحسَنُ دِيناً مِّمَّن أَسلَمَ وجهَهُ لله وهُو مُحسِنٌ
واتَّبَعَ مِلّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتّخَذَ اللهُ إِبرَاهِيمَ خَلِيلاً}
سلسلة لسان العصر
في سبيل تكوين تجمع العصر
لتعظيم سيد العصر
محمد بن عبد {الله}
عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم
الهجرة من عقل المنقول إلى قلب المعقول
تقديم : يوسف هاشم محمد نجم
تـنويه
ورد على غلاف هذا الكتاب بأنه تقديم:-يوسف هاشم محمد نجم .نرجو التنويه بأن كلمة تقديم وردت بدلاً عن كلمة: ( تأليف ) أو (المؤلف ).ولقد قصدنا بإيراد كلمة ( تقديم ) بدلاً عن كلمة (تأليف ) أن نؤكد أن المؤلف الحقيقي هو { الله } وما نحن إلاّ أداة تقديم لإلهامات وردت على الخاطر من لدن العالم المعلّم الأول والآخر :
{الله}
خالق كل شيء وهو الواحد القهّار.
هذا الكتاب: ( الهجرة من المنقول إلى المعقول)
المقصود من معنى كلمة الهجرة هو الانتقال بالعقول على سبل الفهم إدراكاً ومعرفة من مقام عزّة وجلال عالم الغيب المعترف به بمنطق العقيدة التي أنبنى قوامها( الإيمان) على الحب والثقة في الرسول المبلِّغ ، إلى أول عتبات معراج رحمة وجمال عالم الشهادة الذي يتجلى ويتكشّف كل يوم جديد بجديد من ثمار العلم والمعرفة وذلك برؤية قدر الحق المتجلي من واسع إطلاق الحقيقة.
ماذا نعني بتجمع العصر
الاسم :-
تجمع العصــــر لتعظيم سيد العصر
سيد العصر هو صاحب المقام المحمود عليه أعظم الصلاة وأتم السلام، هو الذي سيأتي ليملأ الأرض عدلاً، سلاماً وأمناً على ميزان المحبة والرحمة.و ليس للمقام المحمود من صاحب غير سيدنا وحبيبنا وغرّة أعيننا محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.و معنى تعظيمه هو أن نعمل على تمهيد طريق قدومه المنتظر.
ولقد طلب منا عليه أفضل الصلاة وأتم ألتسليم أن ندعو له عند وفي كل وقتٍ رُفع فيه النداء بالطلب لفتح أبواب السماء لتحقيق الصلة بالرب أن نقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاةالقائمة آتي محمداً الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد.
والوعد كان قد جاء هكذا :
{ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محمودا }
[79 الإسراء]
المرشد:-
هو محمد بن عبد {الله}
النبي الأميّ المبعوث رحمة للعالمين كافة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
الأعضاء:
هم كافة العالمين من إنس وجن . الطفل والطفلة، الصبي والصبية، الشاب والشابة، الذكر والأنثى.المسلم، المسيحي،اليهودي، البوذي الهندوسي الزرادشتي، الكنفوسيوشي، الماركسي وجميع من هم بخلاف ذلك من أمة {الله} الذين وسعتهم رحمة الرحمن.
المقر:
في كل بقعة مباركة من أرض {الله} الواسعة
وفي قلب كل عبد من عبيد {الله} يسكنه الرب.
المركز الرئيسي:
ُيشيّد أعظم مبنى بعد الكعبة المكرّمة والمسجد النبوي المشرّف والمسجد الأقصى المبارك على وجه الأرض في البقعة المباركة حيث التقى موسى العقل بالخضر القلب في مقرن النيلين في الخرطوم ليكون مركز الانطلاق لتعظيم النبي محمد بن عبد {الله} والدعوة لتطبيق منهاج السنة النبوية المشرفة.ثم بعد ذلك لاحقاً ليكون مقراً للحكومة العالمية، وبناء على ذلك يجهز هذا المبنى بحيث يلبي أغراض ذلك بصورة شاملة.هذا البنيان يجب أن يشمل استوديوهات للبث التلفزيوني والإذاعي والاتصالات وقاعة مؤتمرات عالمية كبرى بالإضافة إلى المرافق الضرورية لخدمة العاملين.
الدستور:
هو قول النبي محمد بن عبد {الله}عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
(راجع كتابنا: دستور الإنسان المعاصر)
وعليه فإن هذا التجمع ليس بحزب سياسي ولا بطائفة دينية، ولا برابطة إقليمية.
شعار هذا التجمع:
قول {الله} تبارك وتعالى وقوله الحق المبين :
{ لا إكراه في الدّين قد تّبيّن الرّشد من الغيّ
فمن يكفر بالطّاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
لا انفصام لها والله سميع عليم }
[256 البقرة]
آلية الدعوة:
{أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة
و جادلهم بالتي هي أحسن
إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
[125 النحل]
{اللهُ}
جلّ جلاله وتباركت أسماؤه
{إنّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
[13 الأحقاف]
{إنّ الّذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة
ألاّ تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنّة الّتي كنتم تُوعدون}
[30فُصّلت]
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
إهداء هذا الكتاب
{ فانطلقا حتى إذآ أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقضّ فأقامه قال لو شئت لتّخذت عليه أجرا}
[77 الكهف]
{ وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة
وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا
فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربّك
وما فعلته عن أمري
ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا }
[82 الكهف]
* نهدي هذا الكتاب:
إلى الجلاميد الذين امتطوا صهوات الظنون
يحسبون أنهم قد استووا على واضحة من أمر تيار سير الحياة
على طريق النور، وهم إلا يظنون.
إلى الراكبين على أسنمة سراب العظمة
القاطنين فوق أبراج الوهم
وهم عن صوت فك عقال العقول هم معرضون
إلى المسافرين على قطار النقل خُشباً مسندةً
يظنون أن الوصول بقطع مسافة
وهم عن حقيقة الأمر هم غافلون
ألا فاعلموا أن الزمان دوائرٌ مفتوحةٌ كلولبٍ
كما ابتدأ يعود علماً مفكوكةٌ أقفاله
على قدر ووسع قدرة العقول
على فك الرموز بشفرات المنقول ملقناً عبر الدهور.
و أعلموا بأن ما أنتم عليه عاكفون ليس إلا أصنام عادات وتقاليد
تحجبكم عن رؤية العلم مكنوناً خلف سدود السطور
مبنياً بحروفٍ يقوم واحدها على سبعٍ من البحور
ألا فهلموا نقترف قرفة من الحوض
الذي أقامه سيد الأكوان على قلب سيد الإنسان سيد العصر
تحت لوائه يندحر المنقول يصير حراً
ليعود عبداً لعلمٍ مطلقٍ تنأى بثقله العقول
والرحل الجارّ فيه يعشق المجرور.
إلى عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً.عباد الرحمن الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.
وقف العباد ببابه على الحسن هم يتفرجون
مظاهرٌ وثيابُ أخفت لباباً إليه جميعهم يتطلعون
لم يتصوروا بعد حلو ليم مذاقه ذاك الكمون
وهم بين مشاهدٍ لمظاهرٍ وناقلٍ عبر الزمان حثيثاً سائرون
وشكل الحسن دون الطعم الذي برجائهم يتذوقون
لو أنهم عقلوا ما تستر عنهم بين الظواهر والمظاهر
هو فيهم وهم عنه الغافلون
***
{ وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}
[21 الحشر]
{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم ولعلهم يتفكرون}
]44 النحل]
{ قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون}
[50 الأنعام]
{ كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون}
[219 البقرة]
{ أيودّ أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذريّة ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلّكم تتفكرون}
[266 البقرة]
المقدمة:
لقد ألينا على أنفسنا بإذن الرحمن الرحيم وبتيسيره وتوفيقه أن نعمل على الإسهام في تمهيد طريق الرب بالحكمة والموعظة الحسنة ولا يكون جدالنا إلا بالتي هي أحسن. فنرجوه تبارك وتعالى أن يسبق علينا نعمته فيهدينا إلى سواء السبيل.
و طريق الرب هو الطريق إلى {الله}
والطريق إلى {الله} بابه هو محمد بن عبد {الله} عبده صفيه ونبيه واسمه الأعظم ورسوله هادياً وبشيراً بالرحمة التي وسعت كل شيء،ومفتاح هذا الباب المشرف هو هو واسمه أحمد .هو محمد المصطفى وهو أحمد المختار لخلاص البشرية جمعاء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.
إن ما نراه اليوم يحيط بنا من حولنا من بين أيدينا ومن خلفنا ما هو إلا أننا قد أسرفنا على أنفسنا فأحاط بنا العذاب لا نستشعره فتمادينا فغطى القنوط على أبصارنا وبصائرنا وتأقلمنا على ذلك. ونحن الآن تائهون مخذولون لا يبالي {الله} بنا.
لا يوقر صغيرنا كبيرنا والكبير منا لا يرحم صغيرنا وتسيّد علينا قانون الغابة حيث أن القوي لا يتردد أن يأكل الضعيف بلا حياء بلا خشية وبلا ضمير فيه رمق من تأنيب.
وبالرغم من أننا ندعو {الله} صباح مساء فيقول المؤمنون المسلمون منا:
{ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين }
[286 البقرة]
ويقول المؤمنون النصارى منا:
( أبانا الذي في السماوات
ليتقدس اسمك ليأتي ملكوتك
لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض
خبزنا كفافنا أعطنا اليوم
واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا
ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير بالمسيح يسوع
ربنا لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد )
آمين
وكل فئة من فئآت عباد {الله} يدعونه لينجيهم من الشرير بما تصوغه شرائعهم من أدعية وابتهالات. ولا يتعجبن أحد من إيرادنا لصلاة إخواننا النصارى. ذلك لأننا إنما نخاطب أمة {الله} أجمعين.
هل استرعى انتباه أحدكم كيف خاطب {الله} تبارك وتعالى أمته؟
فإليكم ما جاء بالنص في خطابه تبارك وتعالى:
{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا
إن أكرمكم عند الله أتقاكم
إن الله عليم خبير}
[13 الحجرات]
{ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله
وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم
خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلا
أولئك لهم أجرهم عند ربهم
إن الله سريع الحساب}
[199 آل عمران]
{ إن الذين آمنوا
والذين هادوا والصابئون والنصارى
من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
[69 المائدة]
{ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون*
وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع
مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين*
وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق
ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين*
فأثابهم الله بما قالوا
جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها
وذلك جزاء المحسنين}
[85 المائدة]
وبالرغم من كل ذلك لا نجد أن {الله} يستجيب لنا.
هل يخلف {الله} وعده الذي وعدنا به حين قال جلّ وعلا:
{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم
إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}
[60 غافر]
لا، كلا ثم كلا.
تعالى {الله} عن ذلك علواً كبيرا.
ف{الله} يصدق وعده حقاً لا يدانيه الشك إطلاقاً. وما أرينا أنه لا يستجيب لنا دعاءنا إلا لكذبنا وعدم صدقنا وادعائنا وكبرنا.و لو أننا دعوناه مخلصين له الدين حنفاء وأقمنا الصلاة، وآتينا الزكاة، دعوناه بلسان حالنا بكٌلّيّتنا التي انحصرت حاجتها ورجاءها وأملها فيه وحده لم تشرك معه شيء، لكانت الاستجابة فوريه كلمح بالبصر.
الهجرة
وقبل الشروع بتناول أصل الموضوع ، أرى أنه يلزم بيان الأسس والمرتكزات التي ستبني عليها فكرة هذا الكتاب.
أولاً :-
هذا خطاب لكل ولجميع الناس.جميع الناس بمختلف عقائدهم، عناصرهم، ألوانهم وألسنهم.فالناس كلهم جميعهم إخوة.ربنا {الله} جلّ جلاله إله واحد لا شريك له.
وأبونا؛ كلنا جميعنا؛ رجل واحد هو آدم عليه السلام.وآدم من تراب.
وذلك يعني أن الأصل الّذي انحدرنا، كلنا جميعنا، منه هو هذا التراب الذي يطأه بعضنا بكل الخيلاء والتكبر، فلبئس عقوق أبناء لوالدهم.
ثانياً :-
هذا الخطاب لا ينطوي على مثقال ذرة من شك في النصوص الكريمة الحكيمة المنزلة من السماء.وقد صدق الذي قال:
( خير ما جئت به أنا والنبيّون من قبلي { لا إله إلاّ الله} )
عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم
وعليه فإن هذا الخطاب لا يدعو لأن تلغى النصوص أو أن يعاد فيها النظر.
ذلك ما ينبغي ولا ولم يرد ولا حتى في سر، سر السريرة.
ثالثاً :-
إن كل وجماع ما ندعو إليه هو التصحيح وإعادة النظر في فهم النصوص وذلك باستخدام معامل الفهم والإدراك المعاصرة والتي تربعت على مقعد سلطان العقل البشري في نهاية مطاف وتاريخ تطور الإنسانية عبر الزمن.والمقصود بنهاية التاريخ والمطاف، هو هذا اليوم الذي نحن فيه الآن.ودونكم قول محمد بن عبد {الله} النبي الأميّ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم )
أسس ومرتكزات الهجرة
إن خير ما يمكن أن نبدأ به موضوع هذا الكتاب هو ما ورد في كتابنا ( دستور الإنسان المعاصر) عن ثوابت أسرار حكمة الخطى الإلهية وهي تتجلى مشرقة من غياهب بهموت ليل الخفاء الذي استترت به الذات العليّة:
ثوابت أسرار حكمة الخطى الإلهية
{1} أولاً:
أول هذه الثوابت هو أن الألوهية ؛ تباركت وسمت سمواً عظيماً هي من الكمال بمكان أنها لا تكرر نفسها على الإطلاق . فلا شيء في الوجود يشبهه شيء آخر بصرف النظر عن تعدد الصور والأشكال والمسميات.
الإنسان جُعل نموذجا فيه انطوى العـالم كله. وفي هذا البنيان البشري لن تجد شعرة تشبه أخري، لا فيه ولا في جميع البشر الآخرين. أطرافه لا تشبه بعضها. باصمة إصبع لا تشبه أي باصمة إصبع آخر عنده ولا عند أيّ بشر آخر. كذلك نبرات حباله الصوتية لا تتطابق مع أيّ نبرات أخرى. بل ولعل أعجب ما يمكن أن يقال وما يشير إلى كمال الألوهية المطلق هو أن موسيقى نبرات الصوت وهي تخرج من مصدر واحد فإنها لا تتكرر ولا تتشابه إلى آخر ما يمكن تعداده من خصائص فردية.
{2} ثانياً:
أنها من الكمال والعلم السابق المطلق بحيث أنها لا ترجع عن حكم سبق أن أنزلته وحكمت به ؛ قضت به وقدرته.{الله} سبحانه وتباركت أسماؤه، لا يغير رأيا رآه؛ تعالى {الله} عن ذلك علواً كبيرا. ( رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )
{3} ثالثاً:
أنه لا يدخل في الوجود ولا يظهر في الحس أو في المعنى إلا الذي أرادته وسبق به علمها. وعليه فليس هناك أمر مستأنف؛ فقد
رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )
كلمة التوحيد :{ لا إله إلا الله } هذه الكلمة العظيمة تعني، أن {الله} هو وحده خالق الكبيرة والصغيرة. هو الهادي وهو الذي يضلل.
{ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون }
[ 1 الأنعام ]
هو الذي جعل الأنبياء والملائكة والرسل لغرض الهداية تنزلا من اسمه الهادي. وهو الذي جعل إبليسا لغرض الإضلال تنزلاً من اسمه الحكيم.
{ من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا }
[17 الكهف]
و بحكمة ما بين الهدى والضلال ينبثق معراج المعرفة يطلب تحقيق اسمه العالم. وكل ذلك وفق تسيير حكيم مطلق لخلقه في سبيل الرجعى إليه. إن ما نتوهم من خيار ما هو إلا ما كتبه {الله} لنا :
{ الله خلقكم وما تعملون }
[96الصّافات]
الحديث الشريف :
( من آمن فقد آمن بقضـاء وقدر ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر
رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )
قالوا: ففيم إذاً التعب يا رسول {الله} !؟
قال
اعملوا فكل ميسّر لما خُلق له )
{4} رابعاً :
أن {الله} تبارك وتعالى القدوس السميع العليم الرحيم ما أرسل الرسل ولا شرع الشرائع ولا فرض التكاليف إلا من أجل الإنسان.إلا لمصلحة الإنسان. ليكشف له طريق الرجعى إليه.و من لم يلتزم هذا الطريق فقد جهل مصلحة نفسه وفقد الفائدة التي كان أن يستفيد منها شخصيّاً. قال تبارك وتعالى في حديث قدسي:
{ خلقت الأكوان للإنسان وخلقت الإنسان لي }
وقد جعل {الله} تبارك وتعالى الهدى وجعل الضلال نجدين؛ سبيلين للإنسان يسير بالتقلب بينهم يطلب العودة إلى {الله}؛ يطلب تحقيق الكمال ليعيش في جنّة الحب والجمال.ولا يظنن أحد أن {الله} سبحانه وتعالى يحتاج من عباده أن يعبدوه؛ {الله} العزيز المقتدر غنيٌّ بذاته حميدٌ مُحبٌ لذاته تقدست أسماؤه.قال:
{ إن تكفروا فإن الله غنيّ عنكم ولا يرضى لعباده الكفر
وإن تشكروا يرضه لكم
ولا تزر وازرة وزر أخرى ثمّ إلى ربّكم مّرجعكم فينبّئكم بما كنتم تعملون
إنه عليم بذات الصدور }[7 الزمر]
وقال النبيّ الكريم عليه صلوات {الله} وسلامه:
( لو أنّ جميع أهل الأرض اجتمعوا على أتقى قلب أحدكم
ما زاد ذلك في ملك {الله} شيئاً
ولو اجتمعوا على أفجر قلب أحدكم ما نقص ذلك من ملك {الله} شيئا )
أو كما قال.
{5} خامساً:
أن {الله} سبحانه وتعالى الذي جعل الهدى وجعل الضلال كذلك جعل الثواب وجعل العقاب.قال تبارك وتعالى:
{ إنا هديناه السبيل
إما شاكراً وإما كفورا }
[3الإنسان ]
للهدى : أرسل الرسل عليهم السلام وعلى رأسهم سيدهم وخاتم النبوة محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم.
و أرسل إبليس و عليه لعنة من {الله} سبيلاً للضلال.
باسمه الهادي جلّ وعلا أرسل الهداة وباسمه الحكيم، جلّ شأنه وحكمته جعل إبليس.
قال النبيّ الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( من آمن فقد آمن بقضاء وقدر و من كفر فقد كفر بقضاء وقدر
رُفعت الأقلام وجفّت الصحف )
من كُتب له الهدى جُعل له الثواب؛ ومن كُتب عليه الضلال جُعل عليه العقاب. و الثواب والعقاب من دواعي المحبة الصرفة من عند {الله}. ذلك أن وسائل العقل للتفكّر والتذكّر هما هذين النقيضين. وهما من أجل الإنسان. و ذلك لأن العقل لا يتم له الإدراك إلا بالمقارنة بين نقيضين : لولا النور ما أدرك الظلام. و لولا العذب الفرات ما ذاق الملح الأجاج.
قال رسول {الله} صلى {الله} عليه وسلم:
( إن لم تُخطئوا وتستغفروا
فسيأتي الله بقوم يُخطئون ويستغفرون فيغفر لهم )
ذلك أن المغفرة من دواعي المحبة الصرفة التي لأجلها وبها خلق {الله} الخلق. ولنضرب مثلاً؛ و{لله} المثل الأعلى:
الوالد يعاقب ابنه أن هو أخطأ. وما والد لا يحب ابنه. و لأنه يحبه يعاقبه على الخطأ ليهذبه ويُقوّمه، ليراه علي أحسن صورة من الاستقامة وحسن الخُلق.
فالعذاب الذي يُعذّب به {الله} سبحانه وتعالى خلقه؛ ما هو غير سبيل للتربية والتقويم وما هو إلا المحبة المطلقة.
و من هنا يمكن لنا حسم مسألة التسيير والتخيير التي أعيت العلماء والفقهاء عبر التاريخ. الإنسان و قولاً واحداً؛ ليس له من الأمر شيء. الآية الكريمة :
{ والله خلقكم وما تعملون }
[96 الصّافّات ]
والحديث الشريف
ما قُدّر لماضغيك أن يمضغاه لا بدّ أن يمضغاه )
قال المولى عزّ وجلّ:
{ إن كلّ من في السماوات والأرض إلاّ آتي الرّحمن عبدا*
لّقد أحصاهم وعدّهم عدّا * وكلّهم آتيه يوم القيامة فردا }
[95 مريم ]
وقال الواحد الأحد {الله} الصّمد:
{ ولقد جئتمونا فرادا كما خلقناكم أول مرّة }
[94 الأنعام]
فهل للعبد إلاّ أن يسير وفق إرادة سيده؟!
الأمر {لله} وحده لا شريك له. وصاحب الأمر الواحد الأحد الصمد، هو صاحب القوة والقدرة القاهر فوق اختياره. هو المخيّر الأوحد الذي يختار ما يشاء كيفما يشاء ومتى يشاء.ولقد اختار، فيما كان وكائن ويكون،أن يتعرّف ليُعرف.قال:
{ كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أُعرف
فخلقت الخلق فتعرّفت إليهم فبي عرفوني }
واختياره جل وعلا هو الإنسان.ومن أجل اختياره خلق الأكوان.
قال سبحانه وتعالى:
{ خلقت الأكوان للإنسان وخلقت الإنسان لي }
إذن فالمختار المحبوب الذي وقع عليه الاختيار هو الإنسان.و قولاً واحداً لم يكن للمختار خيار في مسألة اختياره ليُجعل خليفة في الأرض.
{ وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة}
[30 البقرة]
و لأن عوامل هذا الاختيار كان محبة صرفة خالصة صافية وقع المختار ضحية هذا الدلال فتوهم بأنه يمكن أن يختار. و ما وقع ذلك في باله إلا نتيجة ما اعتمل في نفسه من شغف ورغبة المحبوب في الاستئثار بكيان المحب جميعه.و لما تمكن منه هذا الوهم حسب أنه الرب الأعلى فطغى وتكبر.
{ كلا إن الإنسان ليطغى* أن رّآه استغنى }
[7 العلق]
{ فكذب وعصى * ثمّ أدبر يسعى * فحشر فنادى *
فقال أنا ربّكم الأعلى }
[24 النازعات]
ولكنه لم يُترك سدى وإنما زرعت فيه بذرة الحنين إلى جنة المحبة الخالصة.فهو في غرار نفسه يعلم ويشعر ويحس فينفعل ويتفاعل بظلام ونيران فعل السوء. وهذا ما سُمي بالضمير.
و عن هذه البذرة التي غُرست فيه قال ربّ العزة والكمال:
{ ونفسٍ وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها *
قد أفلح من زكّاها * وقد خاب من دسّاها }
[10 الشمس]
وعن هذه التسوية ورد قول الحكيم العليم:
{ وإذ قال ربّك للملائكة إنّي خالق بشراً مّن صلصالٍ من حمأٍ مّسنون *
فإذا سوّيته ونفخت فيه من رّوحي فقعوا له ساجدين }
[29 الحجر]
وعن مجريات وتطبيق معاملات التسوية قال تعالى:
{ إن سعيكم لشتّى * فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسره للعسرى * وما يُغني عنه ماله إذا تردّى * إنّ علينا للهدى *
وإن لنا للآخرة والأولى }
[13 الليل]
و للمزيد من إجلاء لأمر التسيير المطلق للإنسان في سيره على طريق الرجعى إلى بحبوحة أنس المحب الأعظم نحاول كشف مجريات أمره في تقلبه على أرض خلافته.
إن من يملك خيارات حياته يملك القدرة على تنفيذها:
* هل يعرف متى وأين سيولد أو يعرف متى وأين سيموت؟
* هل يعرف ماذا سيكسب في يوم غده؟
* هل يقدر أن يسمع بأذنه الصوت بالموجات الأعلى والأدنى ذبذبة من الصوت بالذبذبة المتوسطة التي تسمع بها الأذن العامة الطبيعية؟
* هل يقدر أن يرى بعينه الطبيعية أبعد مما تسمح به مقدرة العين العامة الطبيعية على الرؤية.
* هل يقدر ألا يأكل وألا يشرب وألا ينام حتى نهاية عمره؟
*وهل يقدر أن يستغني عن الشمس؟
* هل يقدر أن يوقف الأرض أن تدور؟ وهل يقدر أن يجعلها تعكس حركة دورانها؟
* هو يقدر بالاستعانة بما توفر له من علم أن يطأ أرض القمر. فهل يقدر بكل ما أُوتي من علم ومقدرة أن يطأ أرض الشمس؟
* هو يقدر أن يرسل المركبات الفضائية إلى أبعد الكواكب عن الأرض. فهل يقدر بكل ما أُتي من علم ومقدرة وسلطان أن يصل إلى نهاية الكون؟
* هل يستطيع أن يمشي فوق الماء بأرجله الطبيعية؟
* هل يستطيع أن يطير في الأجواء بجسده الطبيعي؟
* هو يقدر على إحصاء عدد البشر الأحياء فوق سطح البسيطة، وقد يقدر على إحصاء عدد الحيوان والطير المنتشر في أصقاع الأرض. فهل يقدر أن يحصي عدد النمل والحشرات الزاحفة والطائرة ؟ وهل يقدر أن يحصي عدد الأحياء ذوات الخلية الواحدة؟
* هل يقدر أن يمسك الريح أن تهب أو يقدر أن ينزل الماء من السماء مطراً؟
هذه بعض أمثلة لمجريات ومعاملات التسيير المطلق الذي يكتنف خليفة {الله} الإنسان على أرض خلافته فهل يمكن بعد كل هذا أن يكون له من الأمر شيء؟!!
{6} سادساً:
أن البقاء {لله} وحده جلّ جلاله الرحمن الرحيم ذو الجلال والإكرام رب العالمين مالك يوم الدين:
{ كلُّ من عليها فان * ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }[27 الرحمن]
فكل ما عدا وجه {الله} إلى فناء. فالكل راجع، سائر وصائر لينتهي لمنتهى:
{ وأنّ إلى ربّك المنتهى }[42 النجم]
ومن هنا وبناء على هذا التقرير الحكيم نطلع على فهم يفرض علينا أن ندرك معنى كان مستترا أو ربّما كان مؤجّلاً إدراكه لبعض حقائق أسرار الألوهية. ومنها مثلا معنى:
كلمة { الخلود } وكلمة { الأبد }
الخلود والأبد
كلمة الخلود تعني البقاء. فالخالد الذي لا ينتهي إلى فناء هو {الله} تبارك وتعالى.
أما كلمة الأبد فتعني الدهر. والدهر زمن مخلوق. ووجوده مرتبط بالمكان والمكان مخلوق. وكل مخلوق إلى فناء. والبقاء هو لوجه {الله} الحي الباقي:
{ كلّ من عليها فان * ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام}
[27 الرحمن ]
الجنّة مكان. والنار كذلك مكان. و كلا المكانين يدخلان في معنى { كلّ من عليها }. وعليه فإن النّار فانية. كذلك الجنة مآلها الفناء. أهل النار سائرون فيها يتقلبون في سعيرها حتى يأذن لهم الرحمن فيدخلون الجنة. و بعد أن يخرج آخر أهل النار منها، لا تجد النار ما تأكله فتأكل بعضها حتى تفنى. و عليه فإن عبارة: { خالدين فيها أبدا } لا تعني: إلى ما لا نهاية. وإنما تعني أنهم باقون فيها دهرا. غير أنه طال أم قصر هو إلى فناء.
وما منّا إلا وارد النار:
{ وإن مّنكم إلا واردها كان على ربّك حتما مّقضيّا }
[71 مريم]
والبقاء في النار مرهون بكثافة الحجاب. فمنا من يمر عليها كالبرق الخاطف. ومنا من تشدّه أثقاله فيقع فيها. ويلبث فيها ريثما يضع أوزاره ويتخلص مما شابه فيُرفع عنه غطاءه ويدخل الجنة.
وأهل الجنّة كذلك سائرون فيها. يترقون علي سلم درجاتها يطلبون وجه {الله}. وهم كذلك حتى تفنى الجنة ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام.
هنا تلوح لنا لطيفة من لطائف اللطيف الخبير. السؤال:
ما هو وجه {الله} ؟
تبارك وتعالى علواً كبيرا !؟.
وجه {الله}
وللإجابة على هذا السؤال نفتح صفحة خريطة سير الخير وسير الشر بكتاب اليومية المرقوم العام.وقد أسميناه(كتاب يومية ) تجاوزًا وذلك لتسهيل التوضيح .
والحق أنه كتاب الساعة في أدقّ ما يمكن تصوره لزمن الساعة.ولعل أن معظمنا يعرف ما هو دفتر اليومية المستخدم في المؤسسات المالية.إن أقرب مثل يمكن أن نسوقه لبيان كيفية وطريقة العمل بدفتر اليومية هو ما كان يستخدم في المؤسسات البنكية.كانت البنوك وإلى عهد ليس ببعيد تسجل الحركة اليومية بدفتر يتم ضبط حسابه يدوياً في آخر النهار يومياً ولا يؤجل هذا الضبط أبداً إلى يوم الغد.ولا يبرح الموظفون مكاتبهم إلا بعد أن تتم تسوية حسابات العملاء تماما مهما استغرق ذلك من وقت.كان هذا فيما مضى، أما الآن فالحواسب الآلية
( الكومبيوتر)مكنت من تسوية الحسابات حال إدخال الحركة المالية.بمعنى أنه يمكن للعميل الذي أودع مبلغاً من المال في حسابه بالبنك في الساعة العاشرة صباحاً ( مثلاً)أن يقوم بسحبه بعد دقيقة واحدة من نفس البنك أو من أي بنك آخر ، في نفس المدينة أو في أي مدينة أخرى.أكثر من ذلك أن الكومبيوتر مكّن البنك من معرفة النتائج النهائية للنشاط المالي في نفس اليوم.
هذا عن دفتر يومية المؤسسات المالية الذي يحكمه الإنسان.
أما الكتاب المرقوم الذي يجري عليه حساب الخير وحساب الشر فإن التسجيل عليه يتم وفق معادلات حسابية محكمة حكيمة بيانها كما يلي:-
{ 1 }
{ مّن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليهاوما ربّك بظلاّم للعبيد }
[46 فصّلت]
{ 2 }
{ فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره }
[8 الزّلزلة]
{ 3 }
{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلاّ مثلها
وهم لا يُظلمون }
[160 الأنعام]
{ 4 }
{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل
إن الحسنات يذهبن السّيّئات
ذلك ذكرى للذاكرين }
[114 هود]
{ 5 }
{ مّثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل
في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم }
[261 البقرة]
{ 6 }
{ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفّلها زكريا
كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً
قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله
إن الله يرزق من يشاء بغير حساب }
[37 آل عمران]
ولعله واضحاً أن هذه المعادلات:
لها: بسط + { إيجابي }
ولها مقام – { سالب }
[ هذا بلغة الحساب الصرفة ]
قانون التطبيق في البسط الإيجابي هو:
أن القيمة الواحدة من الخير تساوي عشرة.
وقد تساوي سبعمائة.
وقد تساوي قدراً بغير حساب.
قانون التطبيق في المقام السالب هو:
القيمة الواحدة من الشر تساوي واحدة مثلها فقط.
و لعل أروع ما في أمر هذه المعادلات أن البسط الإيجابي يمكن أن يكون مجرد نيّة طيبة.
وأروع ما في الأمر كله في مجمله أن التسوية تتم في التو واللحظة الحاضرة.( اللحظة الحاضرة التي تدقّ حتى توشك أن تخرج من حساب الزمن )
قال الحكيم المتعال :
{ فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره }
[ 8 الزلزلة ]
فمتى يره ؟!
يرهُ في التو واللحظة.ولا يؤجل إطلاقاً ولا حتى إلى اللحظة التالية.
وإلى ذلك أشار الحديث الشريف قائلاً :
( أعط الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه )
هذا العمل وهذا الحساب الذي هو في غاية الدقة
{ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}
يتم تنفيذه داخل الكومبيوتر الرباني العظيم ألا وهو جسد الإنسان.جسد الإنسان بجميع ما يحتوي عليه من أجهزة تم تصميمها بدقة هي غاية في الإبداع المعجز.
أجهزة بمقدرة حسابية عالية تتخطى تقدير قيمة العمل المادي الملموس إلى تقدير قيمة النوايا التي لا يعلمها إلا {الله}
{ يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصّدور}
[ 19 غافر ]
هذا هو قانون العدل الإلهي الذي يقوم على المحبة المطلقة. و هو الذي قام به وعليه الأمر من الواحد الأحد الصمد الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
النتيجة الحتمية عند حل جميع المعادلات المقضية والمقدرة وفق هذا القانون وفي جميع الأحوال تكون نتيجة بقيمة إيجابية من الخير. وهذا معنى في قمة معاني الآية الكريمة:
{ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام }
[27 الرحمن ]
وهنا يمكن مقاربة الوصول لجواب السؤال السابق. فوجه {الله} تبارك وتعالى هو هذا الخير المطلق الذي لا يفنى.هو هذا الحب الذي لا يعيقه عزل ولا كدر .هو هذا الجمال الذي يسمو فوق جميع الصور.هو هذه الرحمة التي تنضح مغفرة وأبوابها مفتوحة على الإطلاق.
{7} سابعا:
أن {الله} سبحانه وتعالى قضت حكمته وقدر أن يتنزّل بلسان عربي مبين:
{ إنّا أنزلناه قرآناً عربيّاً لعلكم تعقلون }
[2 يوسف ]
{ حم * و الكتاب المبين * إنّا جعلناه قرآنا عربيّا لعلكم تعقلون *
وإنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم }
[4 الزخرف]
لغة القرآن لم تُجعل عربيّة عبثاً أو خبط عشواء تعالى {الله} عن ذلك علواً كبيرا. وطالما أن محمد بن عبد {الله} صلى {الله} عليه وسلم جُعل خاتم الأنبياء؛ وأن كل الذي أراد {الله} تبارك وتعالى أن يُجليه قولاً قد شُمل بين دفتي المصحف الشريف باللغة العربية الفصحى، فذلك يعني بالضرورة أن البشرية مطلوب منها أن توحّد لسانها وهي على طريق الرجعى إلى الخالق الواحد الأحد:
{ الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة ولا نوم لّه ما في السّماوات وما في الأرض من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء مّن علمه إلّا بما شاء وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلىّ العظيم }
[255 البقرة]
{ شهد الله أنّه لا إله إلاّ هو
والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط
لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم *
إن الدين عند الله الإسلام
وما اختلف الذين أُوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم من العلم بغيا بينهم
ومن يكفر بآيات الله فإنّ الله سريع الحساب }
[19 آل عمران ]
{ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة لمن الخاسرين }
[85 آل عمران ]
والإسلام هو دين التوحيد الكامل الشامل. ولقد جانب الصواب دعاة الإسلام حين اتجهوا إلى ترجمة القرآن إلى لغات أُخرى ظناً منهم أن في ذلك الهدى للبشرية.
غير أن الحق:
{ إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون }
[2 يوسف ]
{ وكذلك أنزلناه حكماً عربيّاً }
[37 الرعد ]
إنّ البيان والتبيين لا يتأتيان إلا بلسان عربي. ولقد كان الأجدر إرسال البعثات لتعليم الناس لغة القرآن.ذلك لأن لغـــة القران تقوم على سبعٍ من المثانى.
قال {الله} العالم الأعظم:
{ ولقد آتيناك سبعا مّن المثاني والقرآن العظيم }
[87الحجر]
فالكلمة الواحدة؛ بل الحرف الواحد في لغة القرآن، ينطوي على سبع درجات من المعنى في مقابلة النفوس السبع التي أُقيم عليها كيان الإنسان المنفوخة فيه روح {الله}.
وكل معنى له بسط إيجابي ومقام سالب؛ وهذا معنى ( مثاني).
قال تعالى:
{ وإذ قال ربّك للملائكة إنّي خالق بشراً مّن صلصال مّن حمإٍ مّسنون *
فإذا سوّيته ونفخت فيه من رّوحي فقعوا له ساجدين }
[29 الحجر]
النفوس السبع:
هذه النفوس السبع هي:
1- النفس الأمارة { بالسوء }
2- النفس اللوامة 3- النفس الملهمة
4- النفس المطمئنة 5- النفس الراضية
6- النفس المرضية 7- النفس الكاملة { الأمارة بالخير }
ولن يتأتى لأي لغة بخلاف اللغة العربية أن تستطيع الإبحار في بحور معاني القران السبع كما يمكن للغة القرآن أن تفعل.
هذا ، وقولاً واحداً : لن يتأتى لأي مترجم ، مهما بلغ من العلم بأسرار اللغة وأسرار المعاني وأسرار المعرفة بدين {الله} أن يترجم القران إلى أي لغة أخرى .
فاتقوا {الله} واحذروه يا دعاة العلم والمعرفة.وتذكروا قول الكريم المتعال:
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء إنّ الله عزيز غفور }
[28 فاطر]
ورحم {الله} بعض العلماء الذين قالوا [ و{الله} أنه كلما زاد علمنا ازددنا جهلاً ] ذلك لأن نهاية العلم إنما هي عند {الله} العزيز المتعال بديع السماوات والأرض. وذلك لأن بداية الحرف في لغة القرآن؛ بل أن بداية النقطة التي سالت فشكلت الحرف: هي من عند {الله}. وهذه النقطة التي سالت فشكلت الحرف قبل أن تُجعل نقطة كانت معنى مكنون في علم {الله}.
وحتى أن هذه اللغة المكرّمة بنزول القرآن بلسانها
عجزت مواعينها أن تستوعب
كل مكنون علم {الله}.
لقد أفصحت عن الذي بمقدور لسان العقل الإنساني أن يدركه.
وما لم يكن بالمقدور إدراكه أُشير إليه ببعض الحروف النورانية في مستهل بعض سور القران العظيم: فجعلت على أربعة عشر تشكيلة حروفاً تشعّ ضياء ونورا:
{ أ ل م } { أ ل م ص } { أ ل ر } { أ ل م ر }
{ ك هـ ي ع ص } { ط هـ } { ط س م } { ط س }
{ ي س } { ص } { ح م } {ع س ق}{ ق } { ن }
ولعلها إشارات إلى ما في { أمّ الكتاب } من علم وحكمة تخطّت مقدرة العقل على إدراكها. و عددها أربعة عشر حرفاً: كلها حروف نورانية؛ غير أن سبعاً منها أكثر نوراً؛ وكأنها منازل القمر سبعاً فسبع يكتمل في قمتها بدراً مكتمل الضياء:
{ وتلك الأمثال نضربها للنّاس لعلّهم يتفكّرون }
[21الحشر] )
انتهى.
أسرار السلوك النبوي الشريف:
ولعل خير ما نذكره بعد الحديث عن أسرار الألوهية هو أسرار السلوك النبوي الشريف الطاهر المطهر. ولقد ورد أعلاه:
(و طريق الرب هو الطريق إلى {الله}
والطريق إلى {الله} بابه هو محمد بن عبد {الله} عبده صفيه ونبيه واسمه الأعظم ورسوله هادياً وبشيراً بالرحمة التي وسعت كل شيء،ومفتاح هذا الباب المشرف هو هو واسمه أحمد .هو محمد المصطفى وهو أحمد المختار لخلاص البشرية جمعاء عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم. )
والمؤمن مرآة المؤمن. ومرآته جل شأنه هو صفيه وحبيبه الذي أرسله للعالمين كافة بشيراً ونذيرا بكتاب الرأفة والرحمة. هو الذي قال، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( أدبني ربي فأحسن تأديبي )
فقال {الله} عنه:
{ وإنك لعلى خلق عظيم }
فقالت عنه سيدتنا أم المؤمنين عائشة رضي {الله} عنها وأرضاها:
( كان خلقه القرآن )
فهو من بعد {الله} أول الأحرار حرية مطلقة. لا ينطق عن الهوى وهو رءوف رحيم.فهو حقيقة وحقاً هو اسم {الله} الأعظم.اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا غرة أعيننا وريحانة فؤادنا مخلّصنا حفظنا حافظنا و حفيظنا وشفيعنا يوم يقوم الحساب درّة ملكك وجوهرة ملكوتك محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم صلاة وسلاما متلازمين دائمين دوام وجهك الكريم وبقدر عظمة ذاتك يا واحد يا أحد يا صمد يا عظيم.
ولقد سُئل الأصحاب أن هل رأيتموه؟ فأجابوا بأنهم قد رأوه. فقيل لهم: ( و{الله} ما رأيتموه إلا كالسيف في غمده)
ونحن إذ نحاول أن نراه خارج غمده نرجو {الله} عزّ وجلّ أن يوفقنا ويهدينا أن نتحدث عن أسرار السلوك النبوي المشرف بما هو أهله وبخالص المحبة والأدب تقديساً وتوقيراً لجناب اسم {الله} الأعظم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
سأل جابر بن عبد {الله} الأنصاري: بأبي وأمي أنت يا رسول {الله} ما أول ما خلق {الله}
فقال النبي الشريف المشرف:
( أول ما خلق {الله} نور نبيك يا جابر )
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
( كنت نبياً وأدم بين الماء والطين)
وفي رواية أخرى:
( كنت نبياً وأدم بين الروح والجسد)
ونحن في محاولتنا رؤيته خارج غمده لا نعوّل كثيراً على ما يمكن أن يعتبره غير المؤمنين به كلاماً في عقيدة الغيبيات، وإنما نحاول أن نراه وأن نريه لغيرنا من المؤمنين به وغير المؤمنين به رؤية حق يقين مادية وعلمية واقعية لا يختلف عليها اثنان.
1- ولد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بشهادة القابلة التي ولّدت أمه الطاهرة المطهرة رضي {الله} عنها وأرضاها
{ آمنة بنت وهب }
طاهراً مغتسلاً مختوناً مقطوعٌ حبل سرته.
2- عندما حاولت السيدة حليمة السعدية رضي {الله} عنها وأرضاها أن ترضعه من ثديها الشمال الذي كانت ترضع منه ابنها لأن الثدي اليمين كان ذابلا لا يدرّ لبناً،
رفضه صلى {الله} عليه وسلم.
فلما أمسك الثدي اليمين بفمه الشريف امتلأ لبناً ما عهدته السعدية رضي {الله} عنها.
3- كان العرق يتعرقه طيباً أطيب من رائحة المسك.ولم يكن ذلك مشموماً بأنوف أصحاب عقيدة تعميهم عقيدتهم وتصور لهم تجميل ما ليس في حقيقته جميلاً ، وإنما كان الطيب منه يُعبّق الآفاق.
4- كان جسده الشريف جسداً نورانياً ولذلك لم يكن له ظلاً يتبعه. بمعنى أن جسده الطاهر الشريف لم يكن ليصدّ أشعة الشمس أو أي أشعة من مصدر آخر. وليس هذا حديث عقيدة غيبية وإنما هو واقع مادي ملموس ومشهود.
كان سيدنا أبي بكر الصديق رضي {الله}عنه وأرضاه وهو يسير خلف النبي المنوّر بضياء اللاهوت ، كان يتنقل خلفه ذات اليمين وذات الشمال خشية أن يطأ بأقدامه ظل النبي الذي لم يكن يراه.
5- عندما قدم في ركب من أصحابه رضوان {الله} عليهم، إلى بيت المرأة التي لم تكن تملك ما تكرمهم به غير شاة ضامر لا تحلب لبناً.أمسك بها ومسّ ضرعها بيده الشريفة فامتلأ الضرع لبناً شرب منه النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وشرب منه جميع من كان معه حتى الرواء كما شربت منه صاحبة الشاة التي لم ينقطع لبنها من بعد قط.
6- وشاة جابر رضي {الله} عنه يوم الزحف شبع الجيش كله من لحمها عندما وضع النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يده الشريفة على الطعام.
7- كذلك الماء الذي خرّ وفاض من بين أنامله الشريفة فاستقى الناس والحرث والضرع ولا يزال إلى يومنا هذا ماءً عذباً جارياً نميراً.
8- ومعروف أنه صلى {الله} عليه وسلم كان لا يرى بعينٍ كالبشر العادي وإنما كان يرى بجسده المشرّف كله. فإن كنت تقف خلفه فإنه يراك دون أن يلتفت إلى الوراء.
معالم طريق الهجرة: