فضل العقل
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الأخوة الكرام:
موضع الدرس اليوم فضل العقل ، الآيات التي تحدثت عن العقل بشكل أو بأخر تقترب من الألف ، والعقل أصل في الدين ، إلا أن العقل يختلف من إنسان إلى آخر ، لذلك نقول العقل الصريح ، هناك عقل تبريري ، وهناك عقل مرتبط بالأهواء والمصالح ، الإنسان كائن منطقي يفلسف عمله ، يفلسف انحرافه ، يفلسف طغيانه ، يفلسف جريمته ، فالعقل متبدل ومتغير من إنسان إلى آخر ، فإذا قلنا العقل فقط قد يكون عقل إنسان يخالف مصلحته ، ولكن الذي أتمنى أن يكون واضحاً لديكم أصل العقل العقل الصريح ، هذا الجهاز الخطير الذي أودعه الله فينا ، يجب أن يتوافق مع الشرع مائة بالمائة ، ذلك أن الشرع من عند الله ، هو النقل ، والعقل مقياس أودعه الله فينا ، والنقل من عند الله ، والفرعان إذا اتحدا في أصل واحد فهما متساويان ، لذلك ليس غريباً أن يؤلف أحد كبار العلماء كتاباً قيماً في حتمية توافق العقل مع النقل.
هل يعقل أن يعطنا الله مقياساً لو أعملناه في وحيه ، لوجدناه غير صحيح ؟ مستحيل، لأن العقل من صنع الله ، والنقل وحي الله ، إذاً لابد من التوافق ، لذلك بعض العلماء كتب كلمات رائعة حول العقل أردت أن أنقلها لكم مع الشرح ، قال:
اعلم أن لكل فضيلة أساً ، ولكل أدب ينبوعاً ، وأس الفضائل وينبوع الآداب هو العقل ، يعني إنسان مخلوق في دنيا محدودة ، أما هو يعد لحياة أبدية ، فالعقل يقتضي أن تتنعم في هذه الحياة الدنيا وتخسر الآخرة أم أن تتنعم إلى أبد الآبدين في جنة الله عز وجل ، العقل يقتضي أن تعمل للآخرة ، لذلك العلماء قالوا: ما من إنسان يعمل للدنيا وينسى الآخرة إلا وهو في الحقيقة مجنون ، ولو كان يحمل أعلى شهادة ، تفوقه العلمي يسمى ذكاءً ولا يسمى عقلاً ، ولكن حينما غفل عن الحقيقة الكبرى في الكون ، وغفل عن الآخرة ، وغفل عن سر وجوده إذاً هو مجنون والآية الكريمة:
﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) ﴾
( سورة القلم: 1 ـ 2)
نت أعقل العقلاء ، لذلك لما رأى النبي مجنوناً في الطريق سأل أصحابه سؤال العارف ، من هذا ؟ قالوا هذا مجنون ، قال: لا هذا مبتلى المجنون من عصى الله ، يجب أن تؤمن ، وأن تعتقد بكل ذرة في كيانك ، أن هذا الذي لا يصلي ، ولا يتعرف إلى الله ، وهو غارق في المعاصي والآثام مجنون ، ولو كان يحمل أعلى شهادة ، وأن هذا الذي يغتصب أموال الناس هو يتوهم نفسه شاطراً ذكياً ، لا ، هو أحمق لأنه سوف يسأل عن كل ذرة.
﴿ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾
( سورة الزلزلة: 7 ـ 8)
قال العقل الذي جعله الله للدين أصلاً وللدنيا عماداً ، إنسان عاقل يعيش حياة هادئة، حياة فيها سلامة ، فيها سعادة ، أنه أخذ ما له ، وترك ما ليس له ، تحرك بحجمه ، بنى علاقاته بوضوح ، فالناس أحبوه وكسب مال حلال ، وأسس أسرة ، وربا أولاده ، تجد إنسان استعمل عقله في الآخرة فكسبها ، استعمل عقله في الدنيا فربحها ، فقال جعله الله تعالى للدين أصلاً ولدنيا عماداً.
أيها الأخوة:
يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام:
(( ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى وما تم إيمان عبد ولا استقام دينه حتى يكمل عقله ))
(أخرجه ابن المجبر في العقل وعنه الحارث بن أبي أسامة)
الإنسان غير العقل يشقى ويشقي ، حدثني صديق وزميل في العمل عنده زوجة يحبها حباً جما ، إلا أنها لا تنجب ، وهو غير مستعد أن يفرط بها ، وفي الوقت نفسه طاقت نفسه لولد يرثه من بعده ، ففاجأته زوجته التي لا تنجب بأن خطبت له دون أن يطلب منها ، خطبت له فتاةً لعل الله عز وجل يكرمه بولد منها ، هو مكافأة لها على هذه البادرة الطيبة اشترى لها من الحلي ما اشترى لهذه الزوجة الثانية ، وأكرمها إكراماً منقطع النظير ، ثم أن الزوجة الثانية أنجبت ، أقسم لي بالله وهو عندي صادق قال لي: مضى على زواجي من هذه المرأة الثانية أكثر من خمسة عشرة عاماً ولم تقع في البيت ولا مشكلة ، قال لي البنت حينما علمت أن هذه الزوجة الأولى هي التي خطبتها أحبتها ، والزوجة الأولى في مكانتها العلية.
الآن كم من امرأة زوجها في أمس الحاجة إلى زوجة ثانية ، وهو لا يتخلى عنها أبداً ، تقيم النكير ، وتجعل حياة زوجها جحيماً لا يطاق العاقل يسعد ويُسعد ، أما ضعيف العقل يشقى ويُشقي ، لذلك أنا أقول ولا أبالغ والله ما من عطاء إلهي يفوق في قيمته عطاء العقل أن يهبك الله عقلاً راجحاً ، يعينك أن تعيش بين الناس ، على أن يحبك الناس ، الآن في إنسان فنان باكتساب الأصدقاء ، بل إن بطولته أن يحول عدوه إلى صديق وكان عليه الصلاة والسلام ، أعداءه الألداء صاروا أحبابه ، وأصحابه في إنسان أحمق يحول أصدقاءه إلى أعداء ، اختصاص ، تصرفاته ، كلامه استكباره ، رده القبيح بالمعروف ، إهماله لأصحابه ، يجعل أخلص الناس إليه عدواً له ، أكاد أقول أن العقل ينعكس في التصرفات حكمة ، وحينما قال الله عز وجل:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا ﴾
( سورة البقرة: 269 )
يعني أنت بالعقل والحكمة ، تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة ومن دون عقل ولا حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى ، أنت بالعقل والحكمة تعيش بدخل محدود ، ومن دون عقل وحكمة تدمر نفسك وأنت بدخل غير محدود ، يقول عليه الصلاة والسلام : ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى.
أيها الأخوة الكرام:
أحد كبار الصحابة ، اسمه نعيم بن مسعود ، هذا زعيم غطفان وجاء على رأس جيش ليحارب النبي عليه الصلاة والسلام في معركة الخندق ، له قصة رائعة ، كان مستلقياً في خيمته ، وهو يحاصر النبي عليه الصلاة والسلام ، جرى حوار ذاتي ، داخلي ، الآن إذا إنسان ركب وسافر وحده ، ساكت ، هو ليس ساكتاً ، هناك حوار مع ذاته ، وكل واحد منكم إذا ماشي بالطريق وهو صامت ، أو جالس ينتظر وهو صامت ، لا بد من حوار مع الذات ، هذا الحوار مع الذات مهم جداً ، فهذا الصحابي الجليل يخاطب نفسه ، يقول ويحك يا نعيم ، أنت عاقل ، لمَ جئت تحارب هذا الرجل ، هل سفك دماً ، هل انتهك عرضاً ، هل اغتصب مالاً ، أيليق بك يا نعيم ، أن تحارب رجلاً رحيماً ، حاور نفسه ، كم إنسان يرتكب أبشع الأغلاط وهو غافل ، قال أيليق بك يا نعيم ، وأنت العاقل أن تحارب هذا الرجل ، ماذا فعل هذا الرجل ؟ ماذا فعل أصحابه ؟ ومازال يحاور نفسه ، ويؤنبها ، ويبحث عن الصواب ، إلى أن وقف واتجه نحو معسكر النبي ، ودخل على رسول الله ، فالنبي دهش ، زعيم قبيلة معادية، قال له نعيم ؟! قال له نعيم ، قال يا نعيم ما الذي جاء بك إلينا ، قال جئت لأعلن إسلامي ، سبحان الله بساعة تفكير ، ساعة إعمال عقل ، ساعة تأمل ساعة حديث مع الذات ، انقلب من رجل مشرك يحارب الله ورسوله ، إلى رجل مؤمن ، قال له امرني يا رسول الله ، المعركة على وشك أن ينتهي الإسلام ، قال بعض من كان مع النبي أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ، الله عز وجل قال:
﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) ﴾
( سورة الأحزاب: 11)
الإنسان المراقب يوقن أنه بقي للإسلام ساعات ، ما اجتمع في الجزيرة عشرة آلاف مقاتل جاءوا ليستأصلوا الإسلام ، قال له امرني ، قال له أنت واحد ، فقال عليه الصلاة والسلام: خذل عنا ما استطعت ، هذا الرجل الواحد استطاع أن يدخل إلى قريش ، وأن يوقع بينها وبين اليهود الذين نقضوا عهدهم مع النبي ، قال اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد ، الآن سيطلبون منكم رهائن كي لا تتخلوا عنهم ، وهذه الرهائن سوف يقدمونها إلى النبي ليقتلهم ، وقال لقريش كلام معاكس ، وقع بين قريش واليهود ما فيه الشقاق ، والله عز وجل دعم الموقف لأنه أرسل رياحاً عاتية ، قلبت قدورهم ، وأطفأت نيرانهم ، واقتلعت خيامهم ، وكفى الله المؤمنين القتال.
طيب هذا إنسان من مقاتل مشرك إلى جهنم ، لما أعمل عقله وفكر الواحد منا المفروض إذا كان له عمل لا يرضي الله ، في بيته معصية زوجته ليست مستقيمة ، لم يربِ أولاده ، في دخله شبهة ، يراجع نفسه أيليق بك وأنت من طلاب العلم أن تعصي الله ، أن تفعل كذا وكذا ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى ، ويقول عليه الصلاة والسلام:
لكل شيء دعامة ، ودعامة عمل المرء عقله ، فبقدر عقله تكون عبادته لربه ، أما سمعتم قول الفجار:
﴿ (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10 ﴾
( سورة الملك:10)
يعني مثلاً: أصحاب النبي الذين أمنوا بالنبي ، ونصروه وعزروه ، واتبعوا النور الذي انزل معه ، وصدقوه ، وحاربوا معه ، أين هم الآن ؟ في أعلى عليين ، ما من مسلم من مليار ومائتين مليون كلما ذكر أحد يقول سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ من ترض على أبو جهل، لعنه الله والملائكة والناس أجمعين إلى يوم الدين ، أبو جهل ، أبو لهب ، هؤلاء أعداء الحق ، لعنوا في الدنيا والآخرة ، ما استخدموا عقلهم ، خضعوا لبيئتهم ، خضعوا للتقاليد والعادات ، الآن معظم الناس لا يستخدمون عقولهم يعيشون لحظتهم فقط ، معه مال يفعل كما يفعل معظم الناس يرتكب المعاصي والآثام ، ما في عنده حلال وحرام ، ما في عنده قيم ، ما في عنده مبادئ ، بقلك أنا مع الناس ، يسمونه الخط العريض بالمجتمع قال تعالى:
﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
( سورة الأنعام: 116 )
فأنت مع الأكثرية أم مع الأقلية ، يجب أن تكون مع الأقلية المؤمنة مع الأقلية العاقلة ، مع الأقلية المفكرة.
سيدنا علي قال: يا بني الناس ثلاثة عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولن يلجئوا إلى ركن وفيق ، فاحذر يا كميل أن تكون منهم.
في عندنا عالم رباني ، ومتعلم على سبيل النجاة ، وفي عندنا همج رعاع، هؤلاء يسمون السوقة ، دهماء الناس ، هذه الغوغائية ، كن مع النخبة ، كن مع الأقلية العاقلة ، كن مع الذي يؤثر في البيئة ولا يتأثر في البيئة.
يقول سيدنا عمر: أصل الرجل عقله ، وحسبه دينه ، ومروءته خلقه.
ويقول الإمام حسن البصري: ما استودع الله أحداً عقلاً إلا استنقذه به يوماً ما.
يعني أيام الإنسان موقف واحد يسعد به إلى أبد الآبدين ، كسيدنا نعيم لحظة عقل واحدة ، نقلته من مشرك مقاتل إلى جهنم ، إلى مؤمن صحابي جليل ، فتترض عنه الآن.
وقال بعض الأدباء صديق كل امرئ عقله ، وعدوه جهله ، أنا لا أرى عدواً أعدى من الجهل ، قد يكون لنا عدو ، اليهود لعنهم الله ، ولكن أشد عداوة لنا منهم جهلنا ، لأن الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
في مزارع من محافظة من محافظات بلدنا جاء إلى السوق ليشتر سماد في عنده بيوت بلاستيكية ، تقريباً غلتها مائتين ألف بأيام الشتاء وكلها حاملة ، فأراد أن يسمدها ، اشترى سماد ذواب ، قال له البائع تذوب لتر بالبرميل وترش ، بدي أكثر ، قام وضع لترين ، استيقظ ثاني يوم كله أسود ، يعني خسر مائتين ألف بيوم واحد ، لأنه ضاعف الكمية ، استخدم جهله ، ما استخدم علمه.
حدثني صديق لي يعمل في المطار قال لي عامل التنظيفات ، أثناء تنظيف الطائرة وجد أن العجلة لها غرفة كبيرة ، لما الطائرة تحلق ترفع العجلات ، حتى لا تكون العجلة مقاومة للهواء ، ولاحظ الطائر لما يطير يجعل أرجله هكذا ، حتى لا تكون الأرجل مقاومة للهواء ، كل الطائرات بعد التحليق ، هذه العجلات ترتفع وتدخل في جسم الطائرة ، فهذا العامل وجد غرفة واسعة ، قال أنا أجلس في الداخل ، لا أدفع أجرة طائرة ولا فيزا ، ولا تكيت ، ولا شيء ، شاف نفسه ذكي جداً ، ما في أزكى منه القصة وقعت في مطار دمشق ، صعد وجلس ، الطائرة ذاهبة إلى ليبيا حلقت ، بعد ما ارتفعت قليلاً أرضية الغرفة أصبحت هكذا تمهيداً لدخول العجلة ، فلما الأرض هكذا أصبحت وقع ميت ، هو أراد أن يموت ؟! لا أراد أن يكون أزكى من كل الناس ، يصل إلى بلد من دون بطاقة طائرة من دون تأشيرة ، من دون فيزا ، من دون كل شيء ، فكانت منيته ، هذا الأخ الذي حدثني بالقصة قال لي أنا أعرف مكان في القسم الداخلي بس لو ركب ، الحرارة خارج الطائرة 50 تحت الصفر ، يموت بربع ساعة من البرد ، ما الذي دمره ؟.
مرة حدثني أخ قال لي والله كنت راكب مع شخص باتجاه المطار هذا الشخص يبدو متفلت من منهج الله ، وجد جرو صغير ، وقت شتاء وبرد قارص ، والزفت لونه أسود يمتص حرارة ، فكان الطريق المعبد أدفئ من التراب ، هذا الكلب بردان قاعد ، فقدر السائق الماهر يقص يديه دون أن يميته ، أطلق ضحكة هستيرية ، أنه قدر فقط أن يقص يده ، الأخ الذي حدثني راكب إلى جانبه ، احتقره الحقيقة ، يبدو أنه لم يتكلم ولا كلمة قال لي والله السبت القادم بنفس المكان العجلة ضربة فنزل حتى يصلحها فك البراغي ، ورفع السيارة بالرافعة وسحب الدولاب وقعت فوق الدولاب السيارة ، والدولاب فوق رسغيه ، فانهرسوا ، بعد دقائق يداه اسودت ذهب إلى المستشفى وقطعت يداه الاثنتين ، أقسم لي بالله وهو حي يرزق وأعرفه ، قال لي والله بعد ثمانية أيام كان يداه مقطوعتين ، ما الذي قطع يديه ، جهله بالله ، هذا كلب ما في له أحد له رب الكلب.
من فترة بسيطة رجل وقور من أهل العلم ، راكب مركبته ضرب سيارة ضرب خفيف ، تصليحها يتم بنصف ساعة ، من ورعه كتب اسمه وكتب رقم تلفونه أنه أنا متكفل بتصليح السيارة ، يبدو أن صاحب السيارة سفيه جداً يعني بالغ بالإساءة ، قال له بدي ضرك ، قال له ربي يحميني قال له خلي الله يخلصك مني ، مضى أربع وعشرين ساعة ، صار معه حادث هذا الثاني الفاجر ، الآن معه شلل رباعي ، وفقد النطق ، كلمة حكاها ، أنا أقول كلام دقيق يا أخوان ، الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به ، هذا لو كان احترم الشخص الوقور ، وقال له مثل ما تريد ، صلحها ، ما كان صار معه شيء ، وهذا الذي داس يدي الكلب ، لو كان خاف من الله أن هذا له رب ، ما كان صار معه شيء نحن بالمناسبة كلمة لو ممنوعة بالإسلام ، إلا في عندنا لو واحدة مسموح بها لو الإيجابية ، لو ما قطعت يدي الكلب ، ما قطعت يداي ، صح هذا الكلام ، لو ما قال كلمة كبيرة جداً مع هذا الإنسان الوقور ، ما فقد حركته ونطقه ، الإنسان دائماً يحاسب نفسه ، وقال سيدنا عمر حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
لذلك صديق كل امرئ عقله ، وعدوه جهله ، وقال بعض البلغاء خير المواهب العقل ، وشر المصائب الجهل ، وقال بعض الشعراء:
يزين الفتى في الناس صحة عقله
وإن كان محظوراً عليه مكاسبه
يشين الفتى في الناس قلة عقله
وإن كرمت أعرافه ومنا سبه
يعيش الفتى بالعقل في الناس إنه
على العقل يجري علمه وتجاربه
وأفضل قسم الله للمرء عقله
فليس لأشياء شيء يقارب
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله
فقد كملت أخلاقه ومآربه
الحقيقة في عندنا عقل غريزي وعقل كسبي ، لكل إنسان في عنده عقل ولو كان أمي ، لكن في إنسان معه دكتوراه ، الأول العقل الطبيعي الفطري ، العقل الثاني شحن معلومات ، الإنسان محاسب على عقله وعلى فطرته ، الآن أكثر سؤال يسأل عنه الإنسان ، يا أستاذ أهل الصين أهل اليابان ، الشعوب الإفريقية ، بمجاهل إفريقية ، وغابات الأمازون كيف يحاسبون يوم القيامة ، أول شيء الله أودع فينا عقل ، هذا العقل كافي كي تعرفه ، وأودع فينا فطرة هذه الفطرة كافية لكي تعرف خطئك ، فكل إنسان لم تصله رسالة يحاسب على أصول الدين التي يمكن أن يعرفها العقل ، وعلى أصول فطرته التي يمكن أن تكشف خطئه ، أما تفاصيل الدين لا يحاسب عنها ، أما الشيء الدقيق هو أن الله تولى هداية الخلق قال:\
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) ﴾
( سورة الليل: 12)
﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾
( سورة النحل: 9 )
يعني وعلى الله بيان سبيل القصد وقال:
﴿(وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23﴾
( سورة الأنفال: 23)
فلذلك الله عز وجل يتولى الناس كلهم بالهداية ، والإنسان محاسب على ما أودع الله فيه من عقل يعرفه بالله ، ومن فطرة تعرفه بخطئه بعض العلماء فسر قول الله تعالى:
﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّا﴾
( سورة يس: 70 )
أي من كان عاقلاً ، الحقيقة العقل هو الجهاز ، يتعرف إلى المحيط الخارجي ، هذا الجهاز لا يفهم الشيء إلا بسبب ، ولا يفهم الشيء إلا بغاية ولا يفهم الشيء إذا كان متناقضاً ، هذه مبادئ العقل الثلاث ، الله عز وجل خالق الأسباب ، الله خلق الأسباب ، أودع فينا عقل لا يفهم الأشياء إلا بأسبابها.
الآن قاضي التحقيق إذا كان أثبت هذا المتهم ، أن وقت الجريمة كان بحلب ، لا في دمشق ، يخرج براءة ، لأن القاضي عنده عقل الإنسان لا يكون في مكانين في آن واحد ، فإذا كان أثبت أنه كان في مدينة بعيدة وقت الجريمة إذاً هو ليس متهماً.
يعني كل واحد منا يستخدم عقله باليوم آلاف المرات ، واحد يقول لك في خربشة ، معناه في حشرة ، في حيوان في البيت ، فالصوت يدله على حركة ، الرائحة يقول لك في حريقة ، في شيء يحترق مثلاً ، فالعقل لا يكشف الحقيقة إلا بأسباب مادية ، عن طريق الحواس ، هذه العملية اسمها الاستدلال ، هذه العملية الوحيدة للعقل ، الاستدلال ، ينتقل من محسوس إلى مجرد ، أما أمور الآخرة ، أمور الجنة والنار ، والجن والملائكة ، الماضي السحيق ، المستقبل البعيد ، هذه لا دخل للعقل بها إطلاقاً ، هذه أخبار ، نحن في عندنا يقين حسي ، ويقين استدلالي علقي ويقين إخباري ، فالحيوان يتعامل مع المحيط بالحواس فقط ، أما الإنسان يتعامل مع المحيط بالحواس والعقل ، أما المؤمن يتعامل مع الحقيقة بالخبر الله أخبره في جنة ، الآن أكبر مشكلة تقع بين مسلم يناقش إنسان ملحد يقول له أين الله ، مثلاً ، الله عز وجل لا تدركه الأبصار ، اثبت لي أنه في جن ، ما في إثبات علمي ، في إثبات إخباري ، الله أخبرني ، أنا أمنت بالله والله عز وجل أخبرني أن هناك جن ، فأنت دائماً لازم تعرف في عندنا حقيقة حسية ، وحقيقة عقلية ، وحقيقة إخبارية ، كل حقيقة لها طريق ولها دليل ، ولها برهان ، برهان القضايا الحسية اللمس ، والشم والصوت ، والصورة ، وما إلى ذلك ، أما برهان القضايا العقلية الاستدلال برهان القضايا الغيبية الخبر ، فأنت تؤمن بالآخرة عن طريق الخبر تؤمن بوجود الله عن طريق العقل ، تؤمن بالشمس عن طريق العين ترى الشمس ساطعة فتؤمن ، ترى أن كل خلق يحتاج إلى خالق ، كل نظام يحتاج إلى منظم ، كل حكمة تحتاج إلى حكيم ، كل تسيير يحتاج إلى مسير تؤمن بالله استنباطاً ، أما أمور الآخرة تؤمن بها تصديقاً.
في موضوع دقيق جداً ، أنت لك حواس وعندك عقل ، في لذائذ حسية ولذائذ عقلية، إذا الإنسان برمضان ترك الطعام والشراب حسب ما الله أمره ، يجوع ، حسياً يجوع ، ويعطش ، ويتمنى أن يشرب ، يتمنى أن يأكل ، لكن شاعر بلذة عقلية أنه هو مطيع لله عز وجل ، يلي يأكلون كثير يتضايقون ، في شخص لا يأكل لكن شاعر نفسه خفيف نشيط ، فكل ما ارتقى الإنسان يتعامل مع اللذائذ العقلية ، الآن إنفاق المال في خسارة مادية لكن في معه لذة عقلية ، أنه أنا أصبحت محسن ، الله يحبني ، أنا أكرمت إنسان ، ساهمت في حل مشكلة المسلمين ، فكل ما ارتقى الإنسان يبحث عن لذة عقلية ، وكل ما هبط مستواه يبحث عن لذة حسية ، الآن امرأة حسناء لك أن تملأ عينيك منها هذه لذة حسية ، ولك أن تغض البصر عنها لذة عقلية ، لأن أنت ما في قانون يمنعك ، ما في قانون أرضي يحاسبك على إطلاق البصر ، إلا أنك بإخلاصك الشديد لله ولمحبتك له ، ولخوفك منه ، تغض البصر ، مع أن جهة في الأرض لا تحاسبك ، من غض بصر عن محارم الله أورثه الله حلاوة في لبه إلى يوم يلقاه.
جلست مرة مع طبيب يعمل في جراحة القلب ، قدم له طعام نفيس جداً رفض أن يأكل ، يبدو أنه كل يوم عنده عملية ، يرى الأوعية مسدودة بالقشطة ، والكولسترول ، فما أكل ، الواحد يؤاثر ويأكل ، لكن ينسدوا شرايينه بدو عملية قلب بعدين ، هو ترك الطعام وهو يشتهيه ، لكن شعر بلذة أن إرادته قوية ، ويحمي قلبه من الانسداد.
فكل ما ارتقى مستواك تتعامل مع اللذائذ العقلية ، الآن انظر الذي يجاهد في سبيل الله ، روحه على كفه ، ، لكن يشعر نفسه من أعظم الناس هو باع نفسه لله عز وجل ، انظر للذي ينفق ماله ، الأغنياء والأقوياء عندهم طرق للسعادة لا توصف لكن لا يعرفونها ، يظن سعادته بجمع المال أما إنفاق المال في سعادة كبيرة جداً ، يعني الذي يدخل على قلب المنفق من السرور لا يوصف أبداً ، لذلك الله عز وجل قال:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم ْ﴾
( سورة التوبة: 103 )
تطهرهم من الشرك ، وتزكي نفوسهم بالإقبال على الله ، قال له:
﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُم ْ﴾
( سورة التوبة: 103 )
بالمناسبة الذي عنده عقل يتعامل مع البيان ، الذي ما عنده عقل يتعامل مع الواقع ، الدنيا شتاء ، وفي أمطار ، وفي ثلوج ، وأنت عندك سفرة لحمص ، طلعت ، وواضعين عند منطقة دوما لوحة أن الطريق إلى حمص مغلق بسبب تراكم الثلوج مثلاً في النبك ، أنت في دوما هل تكمل ؟ لكن الأرض ناشفة ، الطريق سالك ، تعاملت مع البيان فقط ، لو دابة ماشية ورأت هذه اللوحة تقف ؟ تكمل ، أين تقف ؟ عند الثلجات ، انظر إلى تعامل الإنسان مع البيان، ومع الواقع ، الآن الذي يدخن متى يقلع عن التدخين ؟ عند سرطان الرئة ، يقف ، أما إذا كان عنده عقل أن الدخان يتلف له جسمه ، يعمل جلطة ، يؤدي إلى غرغرين ، يؤدي إلى أمراض يدعه وهو صحيح ، في بشارة ، إذا الإنسان أقلع عن التدخين قال خلال شهر أو شهرين تزول أثار التدخين المتراكمة سابقاً ، والإنسان إذا ترك الدخان له مكافأة من الله عز وجل ، يعود جسمه صحيح ، قف عند هذه النقطة ، في تعامل مع البيان.
مثل آخر: راكب دراجة والطريق هابط ، والدارجة مريحة بالنزول ، والطريق معبد ، وفيه زهور ، وفي طريق صاعد حفر وأكمات ، وصخور ، وتتعرق ، وبالنزول تجرها جر ، الواقع يقول لك......... الآن أكثر الناس على النزلة ماشيين ، يملا عينيه من الحرام ويكسب مال حرام ، ويأكل طعام حرام ، مسرور ، الموضوع لوحة لطريقين هذا الطريق النازل ينتهي بحفرة ما لها من قرار ، فيها وحوش والطريق الصاعد ينتهي بقصر منيف لمن دخله ، في خمس كلمات على اللوحة بتخليك تصعد وتتحمل الصعود ومشاكله ، هذه القصة كلها.
هذا المثل ضربته آلاف المرات لكنه معبر ، كان بيتي في العفيف وما كان عندي سيارة أركب بباص المهاجرين ، بالمرجة بأيام الصيف يقف بالمرجة باتجاه الشرق آخر موقف له ، تلاقي على اليمين شمس على اليسار ظل ، اجلس على اليمين على الشمس ، الركاب ينظرون إلي ! الباص سيدور دورة خلال دقيقة ، وتنعكس الآية ، وأتمتع بالظل لآخر خط ثلث ساعة ، الراكب ما استخدم عقله تمتع بالظل دقيقة ، وجاءته أشعة الشمس ثلث ساعة، أنا جلست في الشمس ، لأنه سوف يدور الدورة ، هذا مثل بسيط جداً ، لكنه معبر جداً.
المؤمن أطاع الله في الدنيا فكسب الآخرة ، والكافر ؛ كم جلسة فيها فسق وفجور ، وكم فلم شاف ، وكم سهرة ماتينه ، ومات ، تحمل جهنم إلى أبد الآبدين ، فالمؤمن أطاع الله في الدنيا القصيرة ، فكسب الآخرة ، هذه القضية كلها.
لذلك قيام المرء عقله ، والله قال:
﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) ﴾
( سورة القصص: 60)
﴿ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (10)﴾
( سورة الملك: 23)
﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) ﴾
( سورة الجاثية: 23)
﴿ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) ﴾
( سورة الذاريات: 21)
﴿ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) ﴾
( سورة آل عمران: 143)
قال له: اعقلها وتوكل ، للناقة ، ما معنى عقلت ؟ يعني ربطت ما معنى إنسان عاقل ، يعني عنده موانع ضد الأعمال السيئة ، يمنعه عقله أن يأكل مال حرام ، يمنعه عقله يزني ، يمنعه عقله يعتدي على أموال الناس ، يمنعه عقله يتكلم كلام بذيء ، فالعقل لجام ، والنبي قال:
الإيمان قيد الفتك ، ولا يفتك مؤمن.
يعني بشكل عام ، أنت عندك حركة باليوم ، تخرج من بيتك ، في فتاة ، أنت فيك تنظر ، أو تغض ، كل شيء بسعره ، تأتي إلى المحل ممكن أن تكذب ممكن أن تصدق ، تحلف له يمين أنها مو موفية مثلاً بالبيع والشراء ، ممكن أن تكذب ممكن أن تصدق ، فإذا استخدمت عقلك ليش لأكذب ، الرزاق هو الله ، ليش لأنظر لهذه المرأة ، الزواج طريقه سالك ، في بالجنة حور عين ، فكلما واجهت مشكلة استخدم عقلك واستخدم عقلك الصريح ، الأصلي ، واستخدم الشرف الحنيف ، وارجع للوحي الكتاب والسنة ، بتلاقي الكتاب والسنة ، والعقل الصحيح والفطرة السليمة ، تأمرك أن تكون مستقيماً.
والله مرة قرأت عن أستاذ جامعة في بلد أجنبي أنه ما شرب خمر بحياته ولا دخن ، وكان ينام باكراً ، ليس مسلماً ، ولكنه وصل بعقله أن لا بد له من أن ينام باكراً كي يستيقظ نشيطاً ، يذهب إلى عمله ، والدخان والخمر يتلفان حياته ، في أيام إنسان يصل للشرع من خلال علقه ، لأن الشرع يأمر بالخير ، بالسلامة بالسعادة.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بعقولنا ، وقوام الرجل علقه والعقل أصل الدين.
والحمد لله رب العالمين