الصّـــلاة
الصّلاة هي أم العمل في تطبيق العبـادة بسبيل الرجوع من الفرقة للجمعية ومن التشتت إلى الوحدانية. وهي آلية العمل الحسي لتحقيق الصلة بين العبد وربه .وذلك يعني أن ميدان معترك الصلاة هو النفس البشرية خروجاً بها من قاع أسفل سافلين حيث السجان هو النفس الأمارة بالسوء إلى أعلى عليين حيث قيم الخير الراقية تفوح من أعطاف النفس السابعة التي رضيت فاستسلمت فرُضِي عنها.
( الصلاة صلة بين العبد وربه )
هذا قول المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ومعامل هذا العمل الحسي هو الجسد.فالجسد هو العامل الأساسي لانفعال الآلية الحسية لتحقيق الصلة المعنوية بين العبد والرب.و الرب هنا تعني الأنا العليا للعبد. فلكل عبد من عبيد {الله} رب وهو النفس الكاملة التي تتحقق في قمة لولب درجات النفوس السبع.
النفس الأمارة بالسوء
النفس اللوامة
النفس الملهمة
النفس المطمئنة
النفس الراضية
النفس المرضية
والسابعة هي النفس الكاملة.
وكمالها هو كونها نقطة انغلاق لولب درجات النفوس في دورة الحياة الدنيا بمعني وحدة الزمن والمكان الماضي.وهي نقطة انفتاح لولب درجات النفوس نحو الحياة العليا بمعني وحدة الزمن والمكان المقبل.
فالكمال قيمة من خصائصه الحركة والتجدد المستمر :
{ كل يوم هو في شان }
قلنا أن لكل عبد رب.
ورب العبد هو فرديته التي يتفرد بها عن بقية الأفراد. عن بقية الأرباب.
ورب الأرباب هو {الله} تبارك وتعالى :
{ يا صاحبي السجن أأربابٌ متفرقون خيرٌ أم الله الواحد القهار }
[39 يوسف]
قال سبحانه وتعالى :
{ من كان يريد العزّةَ فللّه العزّةُ جميعاً
إليه يصعد الكلم الطّيّبُ والعملُ الصالحُ يرفعه
والّذين يمكرون السّيّئات لهم عذاب شديد ومكر أُولئك هو يبور}
[10 فاطر]
الكلم الطيب مبتداه ومنتهاه شهادة التوحيد { لا إله إلا الله } وهو الذكر.
والذكر هو صلة رب العبد ب{الله}.
هو صلة الذاكر بالمذكور.
الذكر هو آلية العمل المعنوي لتحقيق صلة رب العبد ب{الله}.
والعمل الصالح مبتداه ومنتهاه : الصّلاة.
والصلاة علم وعمل بمقتضى العلم.
في قاعدتها العمل ( أقم الصلاة ) وفي قمتها الفكر.
قال النبيّ محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة )
الصلاة ( الفكر ) والذكر وسيلة تحقيق مقام العزّة لمن يريد العزّة.
{من كان يريد العزّةَ فللّه العزّةُ جميعاً}
العزّة قمة وقاعدة:
قاعدتها الاستقامة التي هي مطلوب العبودية المراد والممكن التحقيق ووسيلة ذلك هي الصلاة.
أما قمتها فهي القيومية وهي أدنى مراتب الألوهية والطريق إليها هو الذكر.
فالذكر أكبر من الصلاة.
هذا هرم قاعدته الصلاة وقمته الذكر :
{ اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة
إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون }
[45 العنكبوت]
في قاعدة هذا الهرم يتم إرساء قواعد البيت المعمور بالرب.
{ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل
ربّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم *
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك
وارنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم *
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك
ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم
إنك أنت العزيز الحكيم }
[129 البقرة]
ولعل أن أول هذه القواعد التي من شأن الصلاة أن ترسيها هي رفع الفحشاء والمنكر. وهما الطرف الغليظ من المعصية.وهي، أي الصلاة، كفيلة برفع الفحشاء والمنكر مما يصدر عن المصلي ومما يرد عليه من الآخرين.
فلا يرتكب ولا ترتكب عليه فاحشة أو منكر.
و هي، أي الصلاة، في هذا، تقوم كالحجاب الحاجز بين النفس الأمارة بالسوء والنفس الأمارة بالخير:
{ قالوا يا ذا القرنين
إن يأجوج و مأجوج مفسدون في الأرض
فهل نجعل لك خرجاً
على أن تجعل بيننا وبينهم سداً }
[94 الكهف]
الجدير بالذكر، أن المعصية في حقيقة الأمر هي مخالفة لأمر الرب وليس لأمر {الله}.
الأمر من الرب يقول:
{ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب *
وإن كل لما ليوفينهم ربك أعمالهم
إنه بما يعملون خبير *
فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا
إنه بما تعملون بصير}
[112 هود]
فالمخالفة أو المعصية إنما تقع في منطقة العبودية التي تقابل الربانية وهي منطقة الثنائية بمعني أنها منطقة صراع الشك مع اليقين. منطقة سير وذلك بالتقلب بين الحق والباطل. قال محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( إن لم تخطئوا وتستغفروا
فسيأتي {الله} بقوم يخطئون ويستغفرون
فيغفر لهم )
إذن فالمعصية هي لازمة من لوازم السير إلى من إليه راجعون. هي الانحراف عن جادة الصراط المستقيم.هي الاعوجاج مقابل الاستعدال والاستقامة:
{ إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها
فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم
وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً
يُضل به كثيراً ويهدي به كثيراً
وما يضل به إلا الفاسقين }
[26 البقرة]
وكلٌ بأمر {الله} :
{ من يهد الله فهو المهتد
ومن يضلل
فلن تجد له ولياً مرشدا }
[17 الكهف]
أما أمر {الله} فلا عاصي له :
{ إنما أمره إذا أراد شيئاً
أن يقول له كن
فيكون }
[82 يس]
الاستقامة قمة وقاعدة:
قاعدتها مقام النفس المطمئنة :
( الدرجة الرابعة في سلم مقامات النفوس السبع
وهي المرتبة الرابعة في مراقي العلم ومضمونها علم اليقين).
أما قمتها فهي النفس المرضية:
( الدرجة السادسة في سلم مقامات النفوس السبع
وهي المرتبة السادسة في مراقي العلم ومضمونها علم حق اليقين)
وهي مقام رب العبد الذي يتم تحقيقه بالصلاة.
و الربوبية أو الربانية مقام أصالة الفرد التي تميزه عن بقية خلق {الله} والتي تشير إلى كمال الألوهية التي لا تكرر نفسها:
{ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة
ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله
ولكن كونوا ربانيين
بما كنتم تُعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرُسُون }
[79 آل عمران]
والكتاب هنا تعني جسد الفرد الحي المستمر الترقي متقلباً في أصلاب النفوس السبع.
و تعلّمون هنا معناها تحققون عليه علامات الترقي وهو سائر متنقل من نفس إلى نفس. و تدرسون هنا معناها تعيشون هذا الترقي لحظة بلحظة وتتحدثون بنعمة ربكم عليكم.
{ وأمّا بنعمة ربّك فحدث }
[11 الضّحى]
وتتحدثون بمعنى تكونون نموذجاً للخلق القويم.
كالزهرة العطرة تفوح طيباً أنّى تواجدت.
والصلاة هي انفعال سلوكي يقوم علي معامل تفاعل حركة الزمن بسطا فوق المكان مقاماً.
حركة مقام المكان المقصود بها : حركات الصلاة من وقوف وركوع وسجود والتي يتحرك بها الجسد داخل حرم الصلاة .
أما حركة بسط الزمان فهو الوقت الموقوت لأداء الصلاة.
ولقد ورد التكليف بالصلاة في القرآن الكريم بعدد من الآيات الكريمات.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك
قبل طلوع الشمس
وقبل غروبها
ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النّهار
لعلك ترضى }
[ 130 طه] .
يجب أن نلاحظ هنا أنه سبحانه وتعالى قال{ سبح بحمد ربك }ولم يقل { سبح بحمد الله } ذلك لأن الصلاة ما هي إلا معراج العبد داخل كيان العبودية تصعد به من مقامه الأدنى إلى مقامه الأعلى وهو مقام الرب ( الأنا العليا ).
و هذا معناه أن العبد إنما يصلي من أجله هو وليس من أجل {الله}، إن {الله} غني عن العالمين.
وقال {الله} سبحانه وتعالى:
{ أقم الصّلاة
لدلوك الشمس إلى غسق الليل
و قرآن الفجر
إنّ قرآن الفجر كان مشهودا}
[78الإسراء].
الجدير بالذكر هنا أن مسألة { قرآن الفجر }.
ليس المقصود بها في هذه الآيات الكريمة، قراءة القران وترتيله بعد أن تفرغ من صلاة الفجر، كما درج عليه معظم العبّاد. وإنما المقصود والمقرر له أن يكون مشهوداً هو قراءة القرآن وترتيله داخل الصلاة.
وقال جلّ وعلا: -
{ وأقم الصّلاة طرفي النّهـار و زلفاً مّن الليل
إنّ الحسنات يذهبن السيئات
ذلك ذكرى للذاكرين}
[114 هود ].
وقال سبحانه الكبير المتعال:
{ إنّ هذا القرآن يهدي للّتي هي أقوم
ويبشّر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجراً كبيرا}
[9 الإسراء ].
وقال تبارك وتعالى :
{ وإذا قُرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا
لعلّكم تُرحمون }
[204الأعراف]
كيف نُرحم وما هي هذه الرحمة ؟
الرحمة قمة وقاعدة :
الرحمة هرم قاعدته جُعلت من اسم{ الله }{ الرحمن }.
وهذه هي الرحمة التي وسعت كل شيء
قال تعالى :
{ عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كلّ شيء }
[156 الأعراف]
هذه الرحمة لا يُحرم منها أي مخلوق كان.وبمقتضى هذه الرحمة خُلقت النار بدركاتها السبع و أُرسل إبليس ليكون وسيلة للإضلال. وبها سوف ينتهي به المطاف إلى الجنّة ومن ثمّ يعود إلى الباري عزّ وجلّ ليلقاه.
فالنار مآلها إلى الفناء وكذلك الجنّة وسبحان الباقي الحيّ القيوم.
اقرأ :
{ كُلُّ من عليها فان * ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
[27الرحمن]
ولقد ورد في الأثر أن النبيّ صلى {الله} عليه وسلم قال :-
( عند نهاية العذاب في النار
وخروج كل من كُتب عليه العقاب منها إلى الجنة
وآخر من يدخل الجنة إبليس
يضع الرحمن قدمه على النار ويقول
قِط قِط
فتخمد النار
وينبت مكانها نبات الجرجير )
أو كما قال .
هذه هي الرحمة العامة التي وسعت كل شيء. ولا يقولنّ أحد بأن ما ذهبنا إليه من أنّ النّار والجنّة إلى فناء يناقض ما ورد في قول {الله} سبحانه وتعالى :
{ خالدين فيها أبدا }
إنّ الحق في ذلك هو أنّ الأبد دهر. ولكنّه طال أم قصر فهو زمن محدود. و حال الزمان كحال المكان كليهما مخلوق وهما إلى فناء والباقي هو وجه ربّك ذو الجلال والإكرام.
الشاهد في ذلك أن النبيّ عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم حين تشرّف برؤية وجه {الله} ذو الجلال والإكرام كان ذلك خارج الزمان وخارج المكان.
قال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم :
( ليلة عُرج بي
انتسخ بصري في بصيرتي
فرأيت الله )
ولقد رأى {الله} تبارك وتعالى بعد أن جاوز كلّ الجنان السبع حتى وصل إلى منتهى جنّة المأوى عند سدرة المنتهى هناك نهاية الزمان ونهاية المكان فغشيته الأنوار فخرج عن الزمان والمكان فرأى {الله}:
{ ولقد رآه نزلة أخرى *
عند سدرة المنتهى *عندها جنّة المأوى *
إذ يغشى السّدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى *
لقد رأى من آيات ربه الكبرى}
[18 النجم].
قلنا : خرج عن الزمان والمكان فرأى {الله} . فماذا يعني ذلك؟
أولا ما هو الزمن وما هو المكان ؟
الزمان والمكان:
سبق أن ذكرنا أن الحياة الحقيقية هي هنا والآن. في هذه اللحظة الحاضرة:
ما قبلها بأدق ما تكون عليه وحدة قياس الزمن هو من الماضي الذي انمحى ولن يعود.
وما بعدها بأدق ما تكون عليه وحدة قياس الزمن هو غيب لمّا يحل بعد.
فلو أننا استطعنا أن نتصور هذه اللحظة الحاضرة، هذه الوحدة الزمكانية بمقدار ذرة تدق حتى وكأنها تتلاشى إلى العدم.
هذه الذرة الزمكانية:
مركزها قطب سالب: {المكان }. يزاوجه قطب موجب: { الزمن }
يطوف حوله بغير فكاك وذلك بفعل آلية التجاذب بين الموجب والسالب، يريد أن يدخل إليه ليندمجا ويتم الرتق فيصيرا وحدة صمدية. تماما كما في حركة الحيوان المنوي من الذكر يحاول اختراق البويضة من الأنثى. فإن تم لهما ذلك ما عاد هناك زمن وما عاد هناك مكان.
أصبح الوضع خارج الزمن وخارج المكان.
وعليه إن أمكن الخروج بهذه الصورة فقد أمكن تحقيق رؤية الزمان والمكان من خارجهم وبهذا يمكن رؤية الزمكان في كل مراحله السابقة وجميع مراحله اللاحقة.
وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة :
{ لقد كنت في غفلة عن هذا
فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد}
[2 ق ]
وبالخروج عن الزمن وعن المكان تتحقق روية {الله} جل جلاله وتقدست أسماؤه. وهذا بمعنى رؤية العلم المطلق.
العلم المتحرر عن قيود المحدود.
هنا منطقة تجلي {الله} سبحانه وتعالى باسمه العظيم {الرحمن}. به تبارك الاسم أنزل القرآن وخلق السماوات والأرض .
قال سبحانه وتعالى :
{ طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى *
تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى *
الرحمن على العرش استوى *
له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى }
( 6 طه )
والنبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من هنا تلقى القرآن العظيم، فعلم خبر ما كان ونبأ ما سيكون. علم قصة الحياة بتفصيل ما وقع فيها من أحداث؛ ابتداء بأول الخلق :
{ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما
وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون }
( 30 الأنبياء )
و جميع القصص التي قصّها القرآن، قصة خلق آدم عليه السلام، وقصة حياته وسلالته وما تقلبوا فيه من أحداث فقصة المآل إلى يوم الحساب وما بالجنان من نعيم مقيم وما بالنار من جحيم لا يطاق.
عن خبر ما كان قال سبحانه وتعالى :
{ الرحمن * علّم القرآن * خلق الإنسان * علّمه البيان *
الشمس والقمر بحسبان *
والنّجم والشجر يسجدان * والسماء رفعها ووضع الميزان *
وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان *
والأرض وضعها للأنام }
( 10 الرحمن )
وعن نبأ ما سيكون قال جلّ وعلا :
{ كلّ من عليها فان *
ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام }
( 27 الرحمن )
قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :
( ليلة عرج بي انتسخ بصري في بصيرتي فرأيت الله )
أي علمت خبر ما كان ونبأ ما سيكون. والدليل على ذلك أن هذا المعنى ورد في القرآن الكريم بقوله تبارك وتعالى :
{ إذ يغشى السدرة ما يغشى *
ما زاغ البصر وما طغى *
لقد رأى من آيات ربه الكبرى }
[18 النجم]
جاءت ( رأيت {الله} ) لتشرح معنى { رأى من آيات ربه الكبرى }
وهذا ما تفعله الصلاة.
* أما الرحمة في قمة الهرم فقد انبثقت عن اسم {الله} { الرحيم } ورحمة الرحيم رحمة تشمل الخواص المستخلصين من العباد:
الأنبياء والرسل والأصفياء والأولياء والصالحين من الخلق.
وبمقتضى هذه الرحمة خُلقت الجنة بدرجاتها السبع وأُرسل الرسل الهداة لهدي الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
قال النبيّ عليه الصلاة والسلام :
( لا يدخل أحدكم بعمله الجنة )
فبمقتضى هذه الرحمة: رحمة الرحيم، يتمّ إدخال العباد الجنّة. وبها تتمّ الترقية من أدنى الجنان نحو أعلاها؛ نحو تحقيق الرؤية لوجه {الله} الكريم لمن شاء له {الله} هذا النعيم المقيم.
والرحمة التي سوف نجدها إذ ما استمعنا للقرآن وأنصتنا إنما هي العلم.
وإنما نُرحم بأن تتكشّف لنا خبايا هذا العلم المكنون.
ولقد صدق الذي قال بأن الأوائل ما أدركوا من هذا الكتاب العظيم إلاّ الغلاف.
ولعله يقصد بأنهم قد وقفوا على الأعتاب ولمّا يتوغلوا إلى داخل الحرم المصون.
هذه الأعتاب إنما هي الشريعة ؛ الوسيلة الموسلة الموصلة إلى داخل الدين . هي القدر الابتدائي من إدراك العلم في بداية الطريق. ولا تزال أُمّة محمد عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم ، أمّة المؤمنين ، واقفة على الأعتاب ولمّا يدخلوا بعد . ولقد توقف معظمهم عند هذه الأعتاب ظناً منهم بأنها غاية المراد وكمال الدين فاستقر بهم المقام عندها فألفوها حتى غدت من شئون حياتهم اليومية التي يفعلونها بصورة تلقائية من غير حاجة للتفكير. ونحن لا نقول بأن الجميع ما زالوا هكذا ؛ نعم لقد تخطّى بعض أفراد الأُمّة ودخلوا وقد حققوا مقامات ودرجات رفيعة ؛ ولكنهم القلة القليلة ؛ والحكم إنما يرسل على العموم .
ولا يمكن لأحد أن تُفتح له الأبواب ليدخل إلى حرم العلم المصون إلاّ إذا عمل بالشريعة بإحسان.
وما نراه اليوم من حال معظم المسلمين هو أنهم وبكل أسف لم يتخذوا الشريعة وسيلة إلى مزيد من العلم ومزيد من العمل؛ وإنما توقفوا عندها حتى وكأنهم اتخذوها آله عبدوها من دون {الله}.
والمساجد على كثرتها نراها وكأنها أصنام يحرصون على عبادتها؛ فهم وبالرغم من شدة مواظبتهم على الصلاة فيها، لا يُرى من معظمهم أدب الإسلام ولا تعامل الإسلام ولا خُلق الإسلام ولا نصر {الله} لهم الذي وُعدوا به وعداً حقّاً : الآية :
{ ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم
فجاءوهم بالبيّنات
فانتقمنا من الّذين أجرموا
وكان حقّاً علينا نصر المؤمنين }
[47 الروم]
لقد صدق الصادق الأمين رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( يوشك أن تداعى عليكم الأمم
كما يتداعى الأكلة على القصعة )
قالوا : أو من قلة نحن يومئذ يا رسول {الله} ؟!
قال
بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم )
المؤسف حقاً هو ، وبالرغم من أن بأيدينا وتحت سمعنا وبصرنا جميع الآليات لفتح الأبواب المؤدية إلى داخل الحرم الأمين ، إلاّ أننا لا نستخدمها وإنما وضعناها داخل متحف العلاقات الاجتماعية في صناديق زجاجية وعكفنا نطوف حولها ونحن نتنافس على الظهور بأجمل ما لدينا من ثياب ؛ متعطرين بأغلى ما يمكن أن نحصل عليه من عطور . نسينا، أو تناسينا قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم:
( رُبّ مُصلّ لم يُقم الصلاة )
بل وأكثر من ذلك ؛ قال:-
( رُبّ مُصلّ لم تزده صلاته من {الله} إلاّ بُعداً )
فاعتبروا يا أُولي الألباب.
قال ربّ العزّة والجلال :
{اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصّلاة
إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر
ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون }
[45 العنكبوت]
فلننظر فيما حولنا : في الطرقات ، في البيوت وفي دواوين العمل :
هل انتهينا ؟!
في المدارس، في الأسواق، في المزارع وفي المصانع:
هل انتهينا؟!
في المساجد وحتى في بيت {الله} الحرام وعباد {الله} يطوفون ويسعون:
هل انتهينا ؟!
أو ليس فينا ذلك المنعّم المرفّه وبجواره بالجنب نجد الفقير المعدم ؟! فأيّ فحشاء وأيّ منكر أسوأ من ذلك ؟! أين نحن من قدوتنا الّذي دعانا لنتّبعه :
{ قل إن كنتم تحبون الله فاتّبعوني }
أين نحن من الّذي افتقد جاره اليهودي الّذي داوم على طرح الأذى ببابه حين كفّ عن ذلك ؟! اللهم صلّي وسلم وبارك على خير خلقك الّذي أرسلته رحمة للعالمين.
ألم يقل لنا عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( صّلوا كما رأيتموني أصلي)
أو لم نأخذ عنه الظاهر من شكل الصلاة وحركاتها وتركنا روحها ومضمونها وحكمة مشروعيتها فوقع علينا القول الشديد :
( ربّ مصلّي لم تزده صلاته من الله إلاّ بعداً )
قال{ الله} تبارك وتعالى :
{ واتّقوا الله
ويعلّمكم الله
والله بكلّ شيء عليم }
[ 82 البقرة] .
التقوى هي الامتثال للأوامر والانتهاء عن النواهي وفق ما جاء ت به الشريعة.
وقد قال النبيّ صلى {الله} عليه وسلم :
( من عمل بما علم أورثه{ الله} علم ما لم يعلم )
فالعمل هو الوسيلة المباشرة إلى العلم.
قال تبارك وتعالى :
{ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }
[ 10فاطر] .
ويصعد إليه الكلم الطيب بمعنى تتكشف له الحقائق وبذلك تزيد المعرفة بالعلم.
وبالمعرفة يقترب ويتقرّب العامل من العالم العظيم ذو الجلال والإكرام؛ وكأنه يصعد إليه من درك الجهل والظلام إلى أبراج العلم والنور.
والعمل الصالح الذي يرفعه إنما هو الشريعة ، وعلى رأس واجبات العمل بالشريعة بل وأهمها هو الصلاة .
الصلاة والوقت:
الصلاة الواجبة والمفروضة شرعاً هي عمل جُعل مرتبطاً بالوقت؛ كما هو واضح في الآيات الكريمات التي وردت في صدر موضوع الصلاة هذا.
قال تعالى :
{ فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا الله
قياما وقعودا وعلى جنوبكم
فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة
إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين
كتاباً مّوقوتاً }
[ 103 النساء]
ولقد تباين الفهم عن كلمة: موقوتاً : ولكن المتفق عليه عموماً هو أن الصّلاة ، الفرض مرتبطة بالوقت .
ولعلّ السؤال القائم والذي لم تُستوفى الإجابة عليه بعد هو: لماذا وُقّتت الصلاة ؟ . وما هي الحكمة في مشروعية ارتباطها بالوقت ؟
لماذا وُقِّتت الصلاة ؟
الصلاة علاقة تمثل آيات الآفاق حين تكون العلاقة الجنسية بين أزواج مُطهّرة، هي ما يقابلها من آيات النفوس . الآية :
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبيّن لهم أنه الحق
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد }
[ 53 فصلت]
إن كلمة : سنريهم : معناها : نُشهدهم شهوداً حسّياً ومعنوياً : مظاهر الفعل والتفاعل ؛ بياناً عملياً حقيقياً . ولما كانت العلاقة الجنسية بين البشر هي مواقعة الزوج لزوجه ؛ وأن هذه المواقعة تنجم إفرازاً يُوجب الاغتسال والتطهر ؛ كذلك كل مواقعة حسّيّة تقع بين طرفين ماديين تُوجب غُسلاً بالماء . كما أن كل مواقعة بين قطبين معنويين تُوجب اغتسالاً بالعلم والمعرفة. ذلك لأن العلم والماء وجهان لعملة واحدة؛ يختلفان في المقدار وليس في النوع ؛ فالوجود كله نوع واحد مُتنزّل من الخالق الواحد الأحد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفؤا أحد .
العلاقة الجنسية الماديّة وما تتضمّنه من مواقعة حسيّة تُوجب الاغتسال بالماء : تُمثّل آيات النفوس.والملاحظ هنا أن الاغتسال مطلوب بعد إتمام العلاقة.
فما هي العلاقة الروحانية التي تُوجب الغسل بالعلم في جانب آيات الآفاق؟
الصّلاة هي العلاقة الروحانية في جانب آيات الآفاق التي تقابل العلاقة الجنسية بين البشر في جانب آيات النفوس.
ولقد قلنا أن الصّلاة رُبطت بالوقت. فكلمة { موقُوتا }– تعني لدى التدقيق في المعنى:
أن هذا الكتاب، هذا العمل و هذا الانفعال
{ الصّلاة }
قد وُقّتت له ساعة صفر محددة يجب أداؤه فيها
و إلاّ فُقدت القيمة الحسيّة والمعنوية المرجُوّة منه.
ولنضرب لذلك مثلاً:
نفترض أنك دُعيت إلى وليمة يُقدم لك فيها ما لذّ وطاب من الطعام و الشراب؛ وقد ضُرب لك لذلك موعداً. فإن أنت لم تكن حاضراً ساعة تقديم الطعام فاتت عليك الوليمة. ويمكننا ضرب العديد من الأمثال لتوضيح وتوكيد ما ذهبنا إليه من معنى الوقت الموقوت:
كل قيمة وُقت لها وقتاً محدداً تُفقد
إن لم تُدرك في وقتها الذي حُدد لها
مثلاً: أداء فريضة الحج؛ والحج عرفة: فإنّ أنت قدمت بعد يوم عرفة فاتك الحج.
امتحان ما، لنيل شهادة دراسية ما، يعقد يوم السبت في الساعة الثامنة صباحاً، وزمن الامتحان حُدد له ساعة أي ستون دقيقة: فهل ستنال الشهادة لو أنك قدمت لقاعة الامتحانات في الساعة التاسعة ؟ هكذا:
كلّ قيمة وُقّت لنيلها وقتاً محدداً تُفقد إن لم تُدرك في وقتها.
الصلاة ليست عملاً مأمورٌ بأدائه مقابل أجر أو مكافأة بموجب حقوق السيد على العبد، وإنما هي الأجر عينه والمكافأة العينية نفسها، بشرط أن تؤد على وجهها الصحيح وفي ميقاتها. وينسحب هذا المعنى على جميع صور العبادات موضع تكليف الشريعة السمحة. فإن شاء لك {الله} وقدّر أن تكون من المصلين ؛ فقد شاء وقدّر لك الخير :
{ لمن شاء منكم أن يستقيم *
وما تشاءون إلاّ أن يشاء الله ربّ العالمين}
[29 التكوير]
أن تعبد {الله} كما أمر؛ هذا ليس لأجله سبحانه وتعالى وإنما لأجلك أنت. أنت هو المحبوب المُراد له الخير، المجزل له العطاء. {الله} العزيز المقتدر ليس بحاجة لعبادة أحد.
قال تبارك وتعالى :
{ إن تكفروا فإنّ الله غنيّ عنكم ولا يرضى لعباده الكفر
وإن تشكروا يرضه لكم
ولا تزر وازرة وزر أخرى
ثمّ إلى ربّكم مرجعُكم فينبّئكم بما كنتم تعملون
إنّه عليم بذات الصّدور}
[ 7 الزمر]
قال ربّ العزّة العزيز الحميد :{ لا يرضى لعباده الكفر}
ولم يقل : لا يرضى من عباده الكفر.
كما قال أعظم القائلين : { إن تشكروا يرضه لكم }
ولم يقل يرضه منكم. ومعلوم أن الغنيّ هو الذي لا يحتاج لغيره. {الله} سبحانه وجلّ شأنه غنيّ قائم بالذات في الذات لذّاته.
إذن فالصلاة عمل تؤديه وفي توقيته من أجلك أنت. إنها أعظم مأدبة يقدم الرب الكريم المتعال لك فيها: المعرفة، الطمأنينة، الرضا والتوازن بل وحياة النعيم المبرأة من كل خوف ومرض أو كدر.
{ يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه }
[6 الانشقاق ]
فإن لم يُكتب لك أن تحضرها في وقتها فقد فاتك الخير. وهنا نرى أنه يجب توضيح بعض مفهوم سالف عن وُجوب قضاء فرض الصلاة الذي فات وقته. ونتساءل:
هل يمكن لأحد أن يقوم بقضاء فرض الحج ؟
فرض الصلاة الذي فات عليك أداؤه في وقته فقد فات ولن تستطيع أن تعوّضه بقضائه لاحقاً.
وقت صلاة الفجر بعد طلوع الشمس أصبح في ذمّة التاريخ الذي مضى ولن يعود أبدا . كمائدة من السماء نصبت للجائعين بالفضل من صاحب الفضل والكرم فنال منها من حضر ومن تغيب فقد فات عليه الخير العميم. وما تمّ توجيه السلف لقضاء الفرض إلا من باب التشجيع للحرص على وقت الفرض، والتوكيد على أهمية ألا يُؤجل الخير، فإن خير البرّ عاجله.
ولعل أن كل صلاة تُؤدّ بعد الوقت المحدد للفرض تدخل في باب النوافل . وحتى هذه سوف لن تعتبر إن كانت بعد فوات وقت صلاة العصر، أكثر من ذلك : هي مكروهة فيما بين وقت صلاة العصر ووقت صلاة المغرب .
فما علاقة الوقت بالمواقعة في الآفاق ؟ ولماذا وُقتت الصلاة ؟
الوقت برز وتحدد عندما فُتقت الأرض عن السماء:
{ أو لم ير الذين كفروا
أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما
وجعلنا من الماء كلّ شيء حي أفلا يؤمنون}
[ 30 الأنبياء]
ولقد وُقّت زمن الدنيا بموقع الأرض من الشمس. ولا أحسب أني أحتاج لتبيان مواقعة الشمس للأرض بمعنى انفعال الأرض وما عليها ومن عليها نتيجة فعل أشعة الشمس. فالشمس والأرض زوجين والعلاقة بينهما علاقة جنسية ، الاختلاف في المقدار ؛ فالأرض من نفس مادة الشمس ، وكذلك كل الأجرام السماوية ، و المواقعة بينهما مستمرة ما دامت السماوات والأرض .
الأرض تنفعل في كل أرجائها، بهذا الزخم المرسل إليها من الشمس والذي يحتوي علي هذا الكم الهائل من إشعاعات وموجات مما عرفه الإنسان وما لم يعرفه بعد. وقوة هذا الانفعال على أي موقع من الأرض تعتمد على بُعده أو قربه من الشمس، وذلك بمعنى أن كم الانفعال في المواقع المختلفة على الأرض يتفاوت بتفاوت مسافة الموقع المحدد بينه وبين الشمس.
وقد جُعل الليل وجُعل النهار بجعل الأرض تدور حول نفسها.
الموقع على الأرض في منتصف النهار، والشمس في كبد السماء ترسل أشعتها عمودية عليه، يكون أقرب إلى الشمس من أي موقع آخر الوقت فيه فجراً أو عصراً أو في المغرب أو العشاء.
وعليه فإن الكائن الحي المتواجد في الموقع المحدد ينفعل بأشعة الشمس شأنه شأن الأرض. وقوة هذا الانفعال تتفاوت تفاوت الوقت والمكان. ففي كل زمن موقوت يكون انفعال يختلف مقداره عنه في وقت آخر. قال تعالى :
{ فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك
قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبّح
وأطراف النّهار لعلك ترضى }
[130 طه]
أنظر إلى هذه { لعلك ترضى } بمعنى أن تعتدل موازين القيم فيك: صحة الجسد، حدة السمع، جلاء البصر ، صفاء البصيرة ، اطمئنان النفس وخفة الروح بك تعرج إلى قمم الكمال .
وعلى هذه الآية الكريمة تمّ تحديد أوقات الصلاة.
{ سبح } معناها [ صلي ].
قال تبارك وتعالى :-
{ تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ
وإن مّن شيء إلاّ يسبّح بحمده
ولكن لا تفقهون تسبيحهم
إنه كان حليماً غفورا}
[44 الإسراء] .
و الرضاء: حال لقيمة حياتية تأتي كثمرة لحال الاطمئنان الذي يعتبر أول عتبات الاستسلام الواعي للإرادة الإلهية الحكيمة. ولا تطمئن النفس إلا بعد أن يتأكّد لديها وتستيقن قول {الله} تبارك وتعالى :
{ قل لّن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا
هو مولانا
وعلى الله فليتوكّل المؤمنون }
[51 التوبة]
وأن {الله} سبحانه وتعالى هو الرحمة التي وسعت كل شيء، وهو الخير المطلق؛ وأن الحالة الحاضرة التي كائن الوضع عليها هي أحسن ما يمكن أن يكون عليها. ولقد صدق الذي قال :
[ لو وثق العبد بحسن اختيار {الله} له
لما تمني غير الحالة التي هو فيها ]
جسم الإنسان بما فيه من طاقات حياتية، وكأنه مُفاعل للطاقة ، تتمّ في داخله تفاعلات ثلاث :
# تفاعل حيوي عضوي جسدي.
# وتفاعل كيميائي نفسي.
# وتفاعل كهرومغناطيسي عصبي. أو قل تفاعل عقلي فكري.
والحق أن أصل الطاقة الحياتية المحركة لهذا المفاعل الجبار هي الطاقة الفكرية وهي الروح. ولعله مفهوم أن الطاقة الفكرية مركزها القلب وليس العقل كما قد يتبادر لأول وهلة. وما العقل إلا لوحة مفاتيح توجيه الحركة داخل الجسد هذا المفاعل النووي العملاق.
ومن المؤكد أن جميع الانفعالات التي تجري على جسم الإنسان ما هي إلا انعكاسات لذبذبة الطاقة الفكرية { الروح }. إن جميع الأمراض التي يصاب بها الجسد وجميع ما قد يبتلى به الإنسان من مصائب ونكبات ومحن ما هي إلا آليات دفاعية تُستنفر للدفاع عن مركز الطاقة الأم من أجل الحفاظ على كيانها الصافي على الصراط المستقيم. ولقد ضُرب لبيان ذلك العديد من الأمثال.
قال {الله} العالم الحكيم المتعال:
{ ولنبلونّكم بشيء من
الخوف
والجوع
ونقص مّن الأموال
والأنفس
والثّمرات
وبشّر الصّابرين * الّذين إذا أصابتهم مّصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون *
أولئك عليهم صلوات مّن رّبّهم ورحمة
وأولئك هم المهتدون }
[157 البقرة]
أو لم يقل المصطفى عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم : ( إذا أحبّ {الله} عبداً ابتلاه )
أم لم يقل صلى {الله} عليه وسلم : ( إن لم تخطئوا وتستغفروا
فسيأتي {الله} بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم )
وأعجب واندهش: من هو الّذي يُضل فيجعل العبد يخطي؟!
هو{ الله} جلّ جلاله
ومن هو الّذي يلهم عبده أن يستغفر ؟!
هو {الله} جلّ شأنه
ومن هو الغفّار الرحيم الّذي وسعت رحمته كلّ شيء ؟!
هو{ الله }
{ سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون *
وسلام على المرسلين *
والحمد لله ربّ العالمين}
[182 الصّافّات]
{ و{الله}، و{الله}، و{الله}
ما كلّ ذلك غير المحبّة المطلقة التي تنضح مغفرة
ألا أيّها النّاس فأحبّوا أحبّوا أحبّوا بعضكم. فالمحبة هي العروة الوثقى الّتي لا انفصام لها. ألم يقل خير الأنام رسول المحبة والسلام محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( لا يؤمن أحدكم
حتّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
ألا فأعلموا أيّها الناس :
إن هذا لقول من لا ينطق عن الهوى وإنما هو وحيّ يُوحى.
فتدبّروا هذا القول الكريم وأعلموا واحذروا فإنّ هذا القول الواضح يعني: أن الإيمان و كريم الخُلق وجهان لعملة واحدة. فالإيمان أبدا لا يجتمع مع صفات السوء من كذب و بخل وتكبّر وكراهية وأنانية وفحشاء ومنكر وبغيّ. كما يجب أن تعلموا أن الإيمان يوجب أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. وهذا يعني المساواة المطلقة في جميع وجوه الحياة.
و إلا فلا إيمان.
قال {الله} تبارك وتعالى :
{ إنّ الّذين لا يؤمنون بآيات الله
لا يهديهم الله
ولهم عذاب أليم *
إنّما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات الله
وأولئك هم الكاذبون }
[105 النحل]
فقال محمد بن عبد {الله} النبيّ الكريم عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التسليم:
( المؤمن لا يكذب )
وذلك حينما سُئل : هل يسرق المؤمن ؟ قال
قد يسرق )
هل يزني المؤمن ؟ قال
قد يزني )
هل يكذب المؤمن ؟
فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: ( المؤمن لا يكذب )
فإن كان رأس الحكمة مخافة {الله} فإن رأس الفتنة هو الكذب. هو أسّ البلاء ورأس الشرور.
جسم الإنسان مكان الأسرار
هذا الجسم الذي وضع فيه الخالق المبدع جميع الأسرار المُتنزّلة من روحه القدس.
قال السُبّوح القدوس رب الملائكة والروح :
{ وإذ قال ربّك للملائكة
إنّي خالق بشراً مّن صلصال مّن حمإ مّسنون *
فإذا سوّيته ونفخت فيه من رّوحي
فقعوا له ساجدين}
[29 الحجر]
هذا الجسم البديع يتفاعل مع آفاق الكون المختلفة بقدر تفاعله في نفسه. الآية:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
حتّى يتبيّن لهم أنّه الحقّ
أو لم يكف بربّك أنّه على كلّ شيء شهيد *
ألا إنّهم في مرية مّن لّقاء ربّهم
ألا إنّه بكلّ شيء مّحيط }
[54 فصّلت]
{ شهيد } تعني حاضر وموجود، مُحيط ومصيطر بنفسه على نفسه ولنفسه. سبحانه مالك الملك الّذي لا إله إلاّ هو العزيز الجبّار المهيمن الحميد.
و لعل أبرز تفاعل للجسم مع الآفاق هو تفاعله مع الشمس أولاً ثمّ مع بقية الأجرام السماوية المتعددة: أراضيها، نجومها وكواكبها؛ ما علمنا منها وما لم نعلم. ونتيجة لهذا التفاعل يُفرز الجسم إفرازاً متعدد الوجوه. هذا الإفراز بعضه ظاهر وملموس والآخر نحسه ولا نراه بالعين المجردة ويغيب عن اللمس.
الذي هو ظاهر وملموس:
# الدموع ، اللعاب ، العرق ، البول والغائط .
وما هو غير ملموس ولا نراه بالعين المجردة :
# عدد ستة أنماط من الإفراز مختلفة يفرزها الجسم في مواقيت مواقع الأرض الستة من الشمس : الفجر ، الظهر ، العصر ، المغرب ، العشاء وما بعد منتصف الليل.
هذه الإفرازات ذات وجهين؛ وجه غليظ حسيّ والوجه الآخر رفيع معنويّ.
ولعلنا هنا ندرك الحكمة وراء مشروعية الصلاة التي جُعل الوضوء طرفا منها ولازما لتمامها.
• أنماط الإفراز الظاهرة والملموسة يتم تنظيفها والخلاص منها لأغراض صحة البدن.
• أما تلك الغير ظاهرة وملموسة فيتم التخلص من طرفها الغليظ بماء الوضوء أو بالصعيد الطاهر إن تعزر وجود الماء؛ وهذه يُتخلص منها لغرض الحفاظ على شفافية مرآة الجسم الخارجية التي تتكون من طبقة الجلد الرفيعة الخارجية وما حولها من هالات نُؤمن بأن عددها سبع هالات بما نعلمه من قانون إنشاء الكون الذي أقام الخلق على سبع.
هل تعلمون كيف يتخلص الإنسان اليوم من المخلفات النووية !؟
إنه يغمرها تحت الأرض. هذه وسيلة فاعلة من الدرجة الثانية. ولعل الوسيلة الناجحة للخلاص من المخلفات النووية هي أن تغسل بالماء الطاهر الطهور. هذا ما تشير إليه الشريعة السمحة في باب فرض الصلاة. ولا صلاة بغير وضوء. بطبيعة الحال فالتيمم يغني عن الماء إن تعذر الأخير وهو يعتبر وسيلة الطهارة من الدرجة الثانية، ذلك أنه:
( إذا حضر الماء بطل التيمم )
ولهذا قلنا أن دفن المخلفات النووية بالتراب هو وسيلة من الدرجة الثانية.
ولقد أوضحت الشريعة السمحة كيفية تخلص مفاعل الجسد من جميع المخلفات النووية الناجمة عن التفاعل الذري بداخله وهو ما يمكن تسميته بالطاقة الحياتية. ولقد أوضحت الشريعة الكيفية وذلك بتشريع الوضوء، كما أوضحت كذلك مواقيت الصفر لعملية الخلاص. هذه المخلفات ما هي إلا تلك الخلايا التي تموت في عملية التجديد المستمر للجسد، فيلفظها إلى الخارج بما فيها من سموم وإشعاعات ذرية سالبة. وعند تعرضها لأشعة الشمس يتم التفاعل. ويكون الناتج من ذلك أمراض الجلد المختلفة بما فيها ما أصبح اليوم ظاهرة عامة وهي ما يسمى بسرطان الجلد. ولعل ما نراه وما نسمع به اليوم من اجتهاد العلماء والأطباء والمتخصصون في طب التجميل، لاختراع الدهانات والأمصال والعقاقير للوقاية والعلاج من أمراض الجلد، ما هو إلا انحراف عن الاتجاه الصحيح.
إن العقار الواقي والشافي من جميع الأمراض هو هذا الماء:
{ وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون }
[30 الأنبياء]
{ كل شيء حي } الحياة هنا هي حياة الفطرة الأولى المبرأة من جميع الانحرافات.
قال محمد بن عبد {الله} النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:
( أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرا
يغتسل منه خمس مرات في اليوم والليلة
هل يبقى من درنه شيء ؟ )
هنا يخطر على البال موضوع الحجاب.
الحجابُ فرضٌ على الرجال والنساء على قدر سواء:
وما نعنيه بالحجاب ليس ما يدل عليه عكس السفور. كما هو ليس ما يدل عليه عدم الاختلاط. وإنما نعني بالحجاب ما ورد في هذه الآيات الكريمة:
{ قل للمؤمنين
يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم
ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
وليضربن بخمرهن على جيوبهن
ولا يبدين زينتهن إلا
لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن
أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال
أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء
ولا يضربن بأرجلهن ليُعلم ما يخفين من زينتهن
وتوبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلكم تفلحون }
[ 31 النور]
الحجاب الذي نعنيه، والذي أوضحته هذه الآيات البينات، هو الحجاب المفروض على الرجال كما هو مفروض على النساء بحد سواء. وذلكم هو غض البصر وحفظ الفرج. هذا الحجاب المفروض على الناس من ذكر وأنثى، مفروض على مجتمع مفتوح. مجتمع مختلط. النساء لسن بمعزولات فيه عن الرجال. والاختلاط موزون بقوانين حكيمة.
{ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }:
إن الذي يظهر من زينة المرأة، والذي تنص الآية الكريمة علي وجوب عدم إخفائه هو الوجه والكفين.
و إلا فمم مطلوب من الرجل أن يغض بصره ؟ إن كانت المرأة محتجبة تماماً !.
وعلى أي حال؛ فإن غض البصر المطلوب من الرجال كما هو مطلوب من النساء ليس عن رؤية أحدهم لوجه الآخر فحسب، وإنما مطلوب غض البصر عن كل مما من شأنه أن يتسبب في إغلاق الدائرة الحياتية بالتماس قطب موجب بقطب سالب على غير حق، فيكون ذلك متسبباً في الإخلال بالتوازن الجسدي والنفسي والفكري للطرف الذي لم يغض بصره.
وهذا الحجاب يعتبر على رأس قائمة وسائل تحقيق التقوى :
{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير }
[13 الحجرات]
{ لتعارفوا }:
فكيف ب{الله} عليكم أن يتم هذا التعارف والناس محجوب بعضهم عن بعض !؟
والتقوى في حدها الأدني تعني التشرع ، أي العمل بالشريعة في مستوييها عبادة ومعاملة . والتقوى في قمتها تعني الاستقامة. وهي الحياة الموزونة بلا إفراط ولا تفريط.
أما ما ورد في قوله تبارك وتعالى:
{ وليضربن بخمرهن على جيوبهن }
فهذا ليس هو الحجاب. ما هذا إلا الطريقة العلمية الصحيحة للمحافظة على جسد المرأة. وعلى التحقيق، ليس من عين الرجل وإنما من أشعة الشمس ولرب قائل: فما الفرق بين جسد المرأة وجسد الرجل؟
و الإجابة لا تحتاج لكثير عناء. فالذكر والأنثى قطبين لوحدة تمثيل الحياة. الذكر هو القطب الموجب. والأنثى هي القطب السالب. وهما الذين تتفجر الحياة نتيجة اللقاء بينهما بالتزاوج. خصائص قطب الذكر الموجب هي أنه القطب الأعلى بطاقة فاعلة ( مندفعة ). أما قطب الأنثى السالب فهو القطب الأدنى بطاقة منفعلة ( جاذبة ). الذكر يمثل السماء بما فيها من شحنات الطاقة الموجبة وأقربها الشمس. أما الأنثى فتمثل الأرض بما فيها من شحنة الطاقة السالبة. وبما أن من خصائص الطاقة السالبة هي أنها جاذبة، فجسد المرأة قابل للتفاعل مع أشعة الشمس سبعة أضعاف قابلية جسد الرجل للتفاعل مع أشعة الشمس.
يا معشر النساء فلتعلمن بأن تغطية أجسادكن فيه وِجاء لكن ووقاية لأجسادكن من شر أمراض تسببها أشعة الشمس. وليس ذلك تخلفاً أو جهلاً أو رجعية، وإنما هي العلمانية الحقيقية وهي رحمانية الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء.
فيا أيها الناس هيا إلى الخلاص، إلى الصلاح وإلى الفلاح. وأعلموا أنه لا خلاص، ولا صلاح ولا فلاح إلا بمحمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
هناك معلومة تقول بأنك لو شربت الماء وبكميات كبيرة يومياً على الريق لمدة شهر تشفى من مرض كذا، ولمدة شهرين تشفى من كذا وذهبت تضع جدولا زمنياً لذلك حتى وصلت إلى مدة ستة أشهر بعدها يمكن الشفاء من السرطان. ولعل هذا لم يجانبه الصواب، فالماء هو أصل الحياة. ألم تر أن من غاب عن وعيه بسبب ضربة أفقدته الوعي يسكب عليه الماء فيفيق !. ولكن لماذا ننتظر حتى نمرض ؟! . كم يكلف الواحد منا من عناء ليتوضأ قبل طلوع الشمس، والشمس في كبد السماء، والشمس مائلة في وقت العصر، والشمس قبل الغروب وكذلك والشمس عند وقت العشاء. فإن فعلنا ذلك وبالطريقة التي فعلها محمد بن عبد {الله} عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أوشك أن تتحقق لنا الوقاية من كل داء عضوي. وإن قمنا بأداء الصلاة كما جاء بها أوشك أن تفتح أمامنا أبواب الحياة الكاملة، حياة الفكر، حياة الذكر وحياة الشعور وهذه قمة حياة الحب والجمال.
ولعل تلك الهالات السبع السابق ذكرها هي الروح. ولقد سبق أن ذكرنا أن الروح هي الطاقة المنبثقة والناجمة من تزاوج قطبين متناقضين: قطب موجب والآخر سالب. هذا واضح في التكوين الذرّيّ للمادة. ومعلوم أن الجسد مكون من مجموع ذرّات متماسكة بفعل مجال الطاقة التي تكوّن هالة كهرومغناطيسية حول الذرة. هذا واضح فيما يتعلق بوحدة الذرة. أما فيما يتعلق بالجسد فإن جماع الإشعاعات المنبثقة من الذرات التي يتكون منها الجسد هي التي تكوّن غلاف الهالات التي تحيط بالجسد. وكما سبق ذكره فإن هذه الهالات هي الروح، هي عقل الطاقة الحياتية المحرّكة للكائن الحي.
هنا تجب الإشارة إلى أن الطاقة الحياتية سابقة للروح :
{ وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون *
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين }
[ 29 الحجر ]
{ فقعوا له ساجدين } ماذا يعني ذلك ؟
الملائكة مخلوقات نورانية. جعلت من اسم {الله} سبحانه وتعالى { الملِكُ } والمَلَكُ طاقة حياتية موزونة على استقامة مطلقة. وأن يقع المَلَك ساجداً للبشر معناه الوقوع بهذه الطاقة الموزونة بين التسوية ونفخ الروح:
{ بين المادة والعلم }
{ بين الجسد والفكر } وهذا ما يسمى بالنفس.
{ بين القلب والعقل } وهذا ما يسمى بالفؤاد.
وما العقل إلا لوحة مفاتيح التوجيه لمسارات حوافز الحركة. والشاهد على صحّة ما ذهبنا إليه هو أنه بمجرد انقطاع طاقة الروح ومفارقتها للجسد تفقد الذرّات المكونة للجسد عامل الجذب فيما بينها فينهار البنيان. وهذا هو الذي يحدث عند الموت: حالا يبدأ الجسد في التحلل وهذا هو السر في حكمة القول بأن إكرام الميت سرعة دفنه. ولرب قائل فما هو شأن تلك الأجساد التي يمر عليها دهر وعندما تستخرج من باطن الأرض نجدها على حالها لم تأكل دابة الأرض اللحم منها. ولربما نجدها بشحمها ولحمها طرية وكأن الروح لم تبرحها ؟ و الجواب أن تلك أجساد ترو حنت. وعندما جاءت ساعة انقضاء أجلها في عالم الملك سكنت حركتها فخيل لمن حولها بأنها ماتت فقبروها. وكان القبر عتبة دخولها إلى عالم البرزخ. هي في المعيار مما يلي الدنيا قد ماتت وفي المعيار مما يلي البرزخ قد ولدت من جديد. فالروح لا تفنى وكذلك الجسد المروحن. وهذا بطبيعة الحال لا ينطبق على المومياء التي مرت عليها الحقب السحيقة وعندما استخرجت بدت وكأنها لم تتحلل. غير أن الحق في ذلك ، مع استبعاد تلك التي كانت مروحنة عندما ماتت ، فإن جميع ما عدا تلك المروحنة ، إنما هو جلد تخشب على عظم جف وذلك بفعل المواد التي حنطت بها .
السجود أعلى مراقي القرب